جاري سداد الدين
الفصل الأول
*********
_ صباح العسل على عيونك ياحجوجة!
تبسمت الأم فاطمة بوجهها البشوش وهي تطالع أحمد .. أبنها البار وهو يلاطفها گعادته صباحًا حين يكون دوره بالمبيت معها ليلًا لرعايتها..!
شهور مضت على حالتها تلك، وهي قعيدة الفراش لا تقوى على الحِراك أو حتى الحديث، بعد أن أصابتها جلطة فور وفاة أبنتها الصغرى ” سهر”
كانت أحب أبنائها وأقربهم إليها، لصغر سنها حين توفى والدها.. وها هي توفت هي الأخرى وتركت أطفالها صغارًا .. وياوجع قلبها كلما زارتها الذكرى.. عاشت حياتها إمراءة قوية وسندًا حق لصغارها ولم يؤثر بها شيء.. ولكن وفاة ابنتها” سهر” قُصم ظهرها وأضعف روحها وأوهن جسدها فصارت على وضعها ذاك..گطفلة تحتاج رعاية كاملة من أبنائها
_ أيه ياجميل سرحان في أيه؟! يلا يا طمطم افتحي بقك العسل ده عشان نفطر وناخد علاجنا.. عشان ساعة بالكتير وهروح شغلي!!
أومأت برأسها برضا، وانفرج فمها لتتناول طعامها..!
………………………
عبر الهاتف!
_مين عليه الدور يقعد مع ماما انهاردة يا هند ؟
أجابت: ده يوم أختك فريال يا أحمد!
_ طب أستعجليها عندي شغل وكده هتأخر عليه!
_ حاضر هتصل بيها على ما تجهز انت وتفطر ماما، واوعى تنسى في علاج قبل الأكل!
_ ماتخافيش، بس ابقي نبهي على فريال تحمي ماما انهاردة وتغير هدومها، أنتي عارفة مش هعرف اعمل كده لوحدي، ويمنى مراتي مش معايا انهاردة.!
وكمان خليها تقلب جسمها على السرير كل فترة عشان قرح الفراش ما تصيبهاش زي ما قال الدكتور بسبب عدم الحركة!
هند: حاضر ياأحمد هقولها كل ده.. بس مش فاهمة لحد أمتى هتفضل انت واختك مقاطعين بعض وبتنزل قبل ما تيجي عشان ماتكلمهاش!!
أحمد: يعني يرضيكي اللي حصل، ابنها عبد الله عديم. التربية يقل أدبه عليا قصادها وهي حتى ما تحاولش توقفه عند حده وتقوله عيب ده خالك، واما أنا اضربه قلم عشان اربيه، تزعق معايا قدام عيالها وستاتهم .. وعايزاني اكلمها تاني ياهند!!
عجزت عن مجادلته! هي تعلم قساوة الأخت الكبرى وسوء تصرفها وحبها الشديد ودلالها المفسد لولديها عبد الله وخالد! والذين لا يحترمون أحدًا،. ويحق لأخيها كل الغضب منهم!!!
فقالت: معلش ياأحمد، بكره الأمور تهدى وهي اللي هتصالحك.. عموما هتصل بيها عشان تجيي بسرعة، وأنت أنزل لشغلك، وانا بكره من النجمة هكون عند ماما..!
أحمد: لا ياهند ماتجيش انتي بكرة.. أنا هاخد دورك لأني عندي أجازة.. خليكي عشان جوزك مايضايقش منك، أنا عارف أنه بيعملك مشاكل.. صدقيني لو اقدر اخد ماما عندي واراعيها لوحدي كنت عملت كده، بس انتي عارفة ضيق البيت اللي يدوب واخدنا انا وعيالي ويمنى..!
هند : ومين قالك إني هوافق إنك تشيل حملها لوحدك، دي أمي انا كمان ومستحيل اقصر معاها..!
وسيبك من عصام جوزي ومشاكله، يعمل اللي يعمله اديني متحملة وبعديله، وأنت كتر خيرك بتيجي من اخر الدنيا عشان تقعد معاها اليوم بتاعك، وفريال اللي جمب البيت، لازم نفضل نتصل عشان تتحرك وتروح، ربنا يهديها..!
أحمد: اللهم امين وربنا يهديها.. اتصلي بيها بقي وأنا هروح اجهز عشان انزل..!
أنهت محادثته ثم حدثت فريال هاتفيا لتتعجل بالذهاب لوالدتهم حتى تجلس معها وتراعيها لليوم التالي گ المعتاد بين ثلاثتهم.. كلًا منهم يأخذ يومًا بليلة يراعي الأم ويشرف على طعامها ودوائها ونظافتها.. وضرورة تحريك جسدها من حين لأخر كما أوصى الطبيب!!
فريال بتصنع: معلش يارجاء يابنتي بتقل عليكي يا مرات ابني بس زي ما انتي شايفة صاحية تعبانة ومش قادرة انزل لماما في دوري انهاردة..!
رجاء بنفاق: ماتقوليش كده يا ماما فريال ، أنا هروح واخد بالي من جدتي ماتقلقيش هحطها في عيني!
بس انتي خدي بالك من علا و كرم ، انتي عارفاهم أشقية وممكن يأذوا نفسهم!
فريال: متخافيش دول روح تيتة هاخد بالي كويس!
بس خدي بالك أوعي أحمد ولا هند يعرفوا إني مش هناك وانتي مكاني.. وانا هتصل بهند من تليفوني عشان اطمنها إني قاعدة مع ماما..!
رجاء وداخلها يتهكم على تلك القاسية الجاحدة:
حاضر ياماما ماتقلقيش، محدش هيعرف إن أنا وعايدة سلفتي اللي بنروح مكانك!!
_الهدوم دي مش مكوية ليه ياهانم..! وفين فرد الشربات دي!
هند بهدوء: حاضر ياعصام، أنا كنت عاملة حسابي اكوي قمصانك كلها انهاردة واستغل إن مش هروح بكره لماما، أحمد كتر خيره هيقعد مع ماما مكاني!
عصام بتهكم: لا والله كتر خيره.. ده بدال ماياخدها هو بيته ويراعيها..!
هند بضيق: ليه إن شاء الله ، هي ماما عندها أحمد وبس، من حقي انا وفريال نشارك في رعايتها.. دي أمنا وياما تعبت علينا..!
ضحك سخريةً: فريال اختك لو تطول ماتروحش مش هتروح، دي مابتتحملش تبعد عن أحفادها..!
هتفت بحنق: هو مافيش يوم يعدي غير وانت سامم بدني بكلامك، حرام عليك ده بدال ماتصبرني وتخفف عني حزني على أمي واللي حصلها بسبب موت أختي سهر اللي كسرها وجابلها المرض بعد ما كانت بتلف الدنيا على رجليها وعمرها ما قالت آه..!
الدنيا دوارة ياعصام.. أوعى تنسى، شيلني واتحملني في أزمتي عشان اتحملك لما الدنيا تميل بيك!!!
هتف بلا مبالاة: وانا مش كل يوم هقولك بيتك وجوزك ليهم حق عليكي ياهند.. أنتي مقصرة وخصوصا معايا وانتي فاهماني، كل أما اجي جمبك تقوليلي تعبانة عايزة انام، لما بقيت حاسس إني مش متجوز ست!!!
القى بوجهها سهام كلماته الجارحة وتركها، بكرامة تنزف وقلب يئن وجعًا..! ماذا تفعل والحزن يأكل روحها بعد وفاة شقيقتها الصغرى بمرض لعين تاركة خلفها ثلاث اطفال يُتِموا بموتها.. وتحمد الله أن زوجها لم يقصر معهم ويرعاهم ورفض الزواج بعدها حبًا لأولاده وتعلقًا بذكراها..!
كانتت تتمنى هند الدعم من زوجها.. نعم هي مقصرة معه وتعترف، ولكن ألا يعذرها قليلا ويتحملها بتلك الظروف..! كفكفت دموعها التي سالت دون أن تعي واستغفرت ربها وهي تدعوا بصلاح الحال وشفاء والدتها من علتها عن قريب!!!!
رجاء بإمتعاض وهي تحدث أم أحمد المريضة:
_أنا مش فاهمة منك حاجة ياست انتي، اسكتي بقى ماتوجعيش دماغي خليني اتفرج علي المسلسل بمزاج! أكلتي واخدتي علاجك عايزة أيه تاني!!
كانت تحاول الأم” فاطمة” أن تخبرها بحاجتها لشرب الماء.. ولكن رجاء لم تحاول فهمها، هي تأتي إليها مرغمة حتى ترعاها بدلًا من أم زوجها، التي تتملص من المجيء متعللة بالحجج الكاذبة.. تتضرر من رعاية والدتها التي حملتها وهنًا على وهن..!
أما الأم فيأست من أن تفهم عليها رجاء وهدأت وعيناها تزرف دموعًا صامتة وتخط سطور الألم بقلبها حزنا على حالها.. هي من كانت ترج الأرض بخطوتها وتتباهى بعافيتها، ولم يكسرها حتى وفاة زوجها صابر منذ اعوام بعيدة.. وربت أولادها خير تربية! فالأولى فريال لم تكمل تعليمها بعد مرحلة الدبلوم التجاري وتزوجت مبكرا برغبتها.. أما أحمد فصار مدرس ماهر في اللغة العربية.. وهند أخذت ليسانس آداب قسم لغة فرنسية لعشقها لها، ولكن تزوجت من عصام زميل الجامعة ولم تعمل بعد زواجها تحقيقا لرغبه..!
أما سهر التي كانت أكثرهم جمال يلفت الأنظار، لم تكمل تعليمها مثل فريال، وتزوجت مبكرًا من رجل صالح كان خير أمين عليها وأنجبت منه ثلاث اطفال ، ولدين تؤم، ثم فتاة.. وبعد فترة داهمها مرض لعين وحصد روحها مبكرًا، تاركة اطفالها صغارًا.. لم تتحمل فاجعة موتها، واصبحت قعيدة لا تقوى حتى على إحضار كوب ماء يروي ظمأها.!
كثيرا ما تترجى الموت في نفسها كى لا تكون عبئًا ثقيل لأولادها.. لما تظل بينهم بتلك الحالة.. فليأخذ الله أمانته افضل من شعورها الآن بالعجز والقهر لإهمال ابنتها فريال التي بكل مرة تبعث إحدى زوجات ابنائها كي ينوبوا عنها في الرعاية.. كيف تستأمنهما عليها.. كيف يرتاح ضميرها..!
رجاء لا تكف عن التأفف وإظهار التضرر منها.. أما الأخرى عايدة فتسرق أشيائها طمعا بعد أن ترميها بكلمات جارحة.!
في اليوم التالي!!
أحمد محدثا هند عبر الهاتف:
يابنتي أنا مش قلتلك تخلي فريال تحمي ماما؟؟؟
أمك ماغيرتش هدومها من وقت ماسبتها امبارح!
_ والله يا أحمد أنا قلت لأختك تعمل كده، وانا ماروحتش لأنك قلت هتاخد مكاني ، وانا استغليت اليوم ده اعمل حاجات للولاد وانظف شقتي عشان عصام مايسمش بدني بكلامه!
_ خلاص ياهند أنا هتصرف!
_ هتتصرف أزاي.. أستني أنا جيالك وهنحميها سوا..!
_تيجي فين يابنتي المسافة بعيدة وهترجعي كده متأخر، خليكي وانا قلت هتصرف!
_ قلت جاية يا أحمد.. استناني!
وبالفعل اغلقت الهاتف واستعدت فورا للذهاب لأخيها
…………………………………
_ماكانش لازم تيجي ياهند انا كنت هتصرف، دلوقتي جوزك هيضايق أما ترجعي!
_ ياسيدي هو هيقول كلمتين وانا هسمعهم واسكت.. المهم نظبط ماما وبعدها همشي ..
ثم نظرت لوالدتها بابتسامة حنونة: وبعدين ست الكل وحشتني أوي.. عاملة أيه ياماما ياجميلة .. أنتي كل يوم تحلوي!
أحمد بنفس المزاح: قوليلها ياستي مش مصدقة وشها منور ولا البدر في تمامه!
هند: امي طول عمرها قمر يا أحمد.. فاكر صاحب المخبز اللي جمبنا أما كان عايز يتجوزها وهيتجنن عليها..!
أحمد بغيرة: جنان يلهف دماغه البعيد.. ماتفتكري حاجة عدلة إنتي كمان ياست هند!
ضحكت هند وهي تشرع بخلع ملابس الأم برفق شديد: طول عمرك بتغير يا أحمد.. ثم غمزت بعينها لوالدتها: طب نعمل أيه وماما مزة من يومها..!
ابتسمت الأم لحديثهما المحبب وراحت تنعم بحنانهما ورعايتهما وبرهما الذي لا تحصل عليه من سواهما..!
انتهوا مما يفعلون وعادت الأم لفراشها محمولة بذراعي ابنها أحمد الذي هتف بعدها:
هند انا من اسبوع أشتريت لماما شامبوهات وزيوت طبية وصابون معقم وحاجات شخصية عشانها .. ليه ناقصة؟ في حد بيستخدمها غيرها.. المفروض تفضل معاها الشهر كله!!
هند: والله ماعارفة.. حتى غيارتها الداخلية ناقصة فعلا، وهدوم كنت جايباها ليها وجيت البسها منها مش لاقياها في دولابها.. انا والله مابغير هدومي إلا في بيتي يا أحمد، ومابستعملش حاجة تخص ماما ابدًا..!
أحمد بتفكير: غريبة.. بتروح فين حاجتها.. دي مش أول مرة تحصل على فكرة..!
هند: يمكن مثلا فريال اخدت هدوم تغسلها لماما ونسبت تجيبها تاني هبقي اكلمها، والصابون والشامبو في احتمال حد من أحفاد فريال يكون بيجي معاها، وأكيد هو السبب، أصلها دايما تقولي بيرموا الشامبو ويلعبوا بيه، يعني افترض كده، أصل نين هياخد حاجة ماما ومحدش غريب بيجي هنا..!
أحمد وقد بدا على ملامحه عدم الاقتناع: يجوز يا هند، كله هيبان!! عموما يلا انزلي انتي بسرعة. على بيتك وطمنيني أما توصلي!!!
في منزل عبد لله!!
_ حلو أوي الشامبوا اللي جبتيه ده ياجوجو..!
رجاء : وحياتك يا عبده ده غالي أوي، بوفر من مصروف البيت وبجيبه.. وفي عندك. كمان زيت حلو جبته للبت علا عشان شعرها..!
_ أيوة كده أحبك وانت مدبر وعاقل ياجميل.. صحيح هو انتي روحتي لجدتي انهاردة ولا عايدة!
رجاء بضيق حاولت إخفاءه: روحت ياحبيبي كان دوري أنا.. وحياتك مش بخلي جدتك عايزة حاجة.. دي مريضة ومسكينة وبتصعب عليا..!
عبده بإمتنان: طول عمرك بنت أصول ياجوجو.. معلش اهي زي جدتك وهتاخدي ثواب.. انتي عارفة أمي بتتعب من اقل حاجة..!
أجابت بتصنع:اخص عليك ماتقولش كده دول في عنية الأتنين، يلا بقى ياغالي عشان نتعشى مع العيال
_ مالك يا أحمد.. سرحان من وقت ماجيت من عند مامتك.. في حاجة حصلت هناك؟!
_ مش عارف يا يمنى، حاجات أمي الشخصية بتنقص بشكل غريب، أنا بجيبلها حاجات غالية وكله من خير ابويا الله يرحمه ومعاشه الحكومي ومش بستخسر وبجيب اغلى أنواع كل شهر مع علاجها.. بس بقيت الاحظ إن حاجات كتير بتنقص عندها..!
_ هو في حد غريب بيقعد معاها غيرك انت وهند وفريال؟ مين هيطمع في حاجتها منكم!!!
أحمد بعين غائمة: مسيري هعرف بيحصل أيه!!
تري ما الذي سينكشف عنه الستار أمام أحمد بالأيام القادمة..؟؟؟؟؟