نوڤيلا عشق الثعلب بقلمى أميرة مدحت
نوڤيلا “عَشَقَ الثَّعلَبُ”
(( الفَصْلُ الأَوَّلُ))
أسدل الليل ستائرهُ السوداء، وكان البدرُ قد طلع كاملاً في السماء، ونشر ألوَّانهُ على الفضاءِ، لتبدأ ليلة رومانسية لن تُنسى تحت ضوء البدر، ليلة ستُغير حياة كُلاً منهما.
وقف بشموخ أمام المرآة ليعدل ياقة قميصهُ، رمق ذاتهُ بفخر وهو يرى نفسهُ جذاباً، حيثُ أرتدي حلة سوداء “ميتالك “، وقميص باللوَّنُ الأسودُ، ورابطة عنق بذات اللوَّنُ فزادتهُ وسامة وهيبة، حيثُ بدى مفتول العضلات.. ممشوق القوام.. ساحراً للأعين، مدّ يدهُ للأمام ليقبض على زُجاجة عطّرهُ الفاخر والمُفضل إليهِ، وبدأ يقوم بإشباع ملابسهُ بها، عقب إنتهائهُ من تلك المُهمة كان يعود بوضع الزُجاجة في مكانها، وهو يشعُر بالحماس على ما سيحدُث الليلة.
سار صوب الباب، ثُم أمسك بالمقبض ليديرهُ بحركة سريعة، فأنفتح الباب وولج للخارج، بخُطوات ثابتة واثقة لا تخشى.
قابل في طريقهُ إمرأة، سيدة أنيقة المظهر، في مُنتصف الخمسينات من عُمرها، جسدها مُمتلئ قليلاً، شعر رأسها أسود تتخلهُ خصلات بيضاء حولتهُ إلى لوَّنُ رُمادي، جعل ملامحها وقورة راقية مع آثار جمال وجذابية مازالت تحتفظ بهما.
وقف أمامها بإحترام، وبدأ بفتح الحديث معها، حيثُ سألها بجدية كعادتهُ :
_ها يا أُمي جهزتي ولا لسّه وراكي حاجة؟!
إبتسمت إبتسامة واسعة قائلة:
_لأ يا حبيبي أنا خلصت خلاص.
أبتسم إبتسامة صغيرة وهو يسألها مرّة أُخرى :
_بس إيه الجمال والشياكة دي؟
مدّت “إيمان” يدها نحو ذراعهُ لتربت عليهِ قائلة بسعادة كبيرة :
_طبعاً لازم أبقى كده، ده النهاردة كتب كتابك، اليوم إللي أستنيتهُ من زمان.
أتسعت إبتسامتهُ أكثر حتى برزت أسنانهُ، لمعت عينيه بوميض العشق حينما تذكرها، شعر بدقات قلبهُ التي تدُق كالطبول، شعر أن والدتهُ تسمع دقات قلبهُ من كثره قوة وعُنف الدق، شعورهُ اليوم أنها ستُصبح ملكهُ لهُ فقط شعور سعادة حقيقة لم يتذوقها مُنذ عدة أعوام بسبب طبيعة عملهُ، رغم أنهُ عُرف عنهُ بالثعلب بسبب أفكارهُ الماكرة وكذلك نظراتهُ، وغير ذلك أصبح تعاملهُ مع المرء تعامل به بعضٍ من الشدة وفي بعض الأحيان يُصبح التعامل به نوعٍ من القسوة، إلا أنها هي الفتاة الوحيدة التي سرقت قلبهُ بدون سابق إنذار.
خرج من شرودهُ على صوت والدتهُ القائل:
_إيه يا حبيبي مش يالا ننزل؟؟
أومأ برأسهُ عدة مرات وهو يقول بصوتهُ الرخيم:
_عندك حق، يالا بينا.
تلألأت النجوم في السماء بصورة واضحة رائعة حينما وصل صاحب تلك الليلة، صف سيارتهُ أمام مدخل البناية وترجل منها وهو يوجه أنظارهُ على البناية التي تُقطن فيها معشوقتهُ، وصلت سيارات أُخرى وبدأوا يصفونها خلف سيارتهُ، أستدار ليرى أقاربهُ ورفيقهُ الوحيد قد وصلوا، أول شخص ترجل من السيارة كان رفيقهُ الوحيد، حيثُ كان قد عاد من إحدى الدول الأوروبية من أجل حضور تلك اللحظة التي سيتزوج بها صديقهُ، ركض الرفيق الذي يدعى “طارق” نحو صديقهُ وهو يصرُخ بإسمهُ بسعادة، ففتح الأخير ذراعيه ليحتضنهُ بقوة، أخذ يربت “طارق” على ظهر رفيقهُ بقوة دليلاً على سعادتهُ وشوقهُ كثيراً لرؤيتهُ، لحظاتٍ وكان يتراجع للخلف وهو يردد بفرحة :
_ألف مبروك يا مُهاب، ألف ألف مبروك يا صاحبي.
ردّ عليه “مُهاب” بإبتسامة واسعة :
_الله يبارك فيك يا طارق، معقولة ترجع من السفر عشان تحضر كتب كتابي؟؟!
أجابهُ وهو يرفع حاجبيه :
_إذا مكُنتش أحضر كتب كتابك، هحضر لمين؟.. المُهم إنتوا ليه معملتوش فرح؟؟؟
سحب نفساً عميقاً للحظاتٍ قبل أن يحررهُ قائلاً بجدية:
_مش هنعمل دلوقتي، لأننا عندنا مُهمة هنطلعها بعد بُكرا مع بعض، أول ما المُهمة دي ما نخلص منها وننجح فيها هنحدد المعاد الفرح على طول، أنا قولت نعمل كتب كتاب عشان أقدر أحميها وغير كده مكُنتش قادر أصُبر أكتر من كده.
هز رأسهُ بإندهاش هاتفاً :
_مين يصدق واحد سموه الثعلب في المُخابرات المصرية يعشق بالطريقة دي؟؟!
ردّ عليه بعيونٍ ماكرة :
_توقع غير المتوقع يا صاحبي، يالا نطلع.
_يالا يا عريس.
“مهاب الألفي، ضابط في المُخابرات المصرية، يبلغ من العُمر ٣٢ عامٍ، عريض المنكبين، يتميز بالبشرة السمراء، وعينيه السوداء كالظلام الدامس، والشعر الأسود الكثيف الناعم كالدُب، قوي العضلات، لقب بالثعلب؛ فهو يأتي بأفكار ماكرة لا يستطيع مرء جلبها، من أهم الضُباط في المُخابرات المصرية؛ فهو يجيد أستخدام جميع أنواع الأسلحة، من المُسدس إلى قاذفة القنابل، ويجيد في بعض الفنون القتالية أهمها المصارعة والتايكوندو، وبراعتهُ الفائقة في قيادة جميع أنواع السيارات والطائرات، بالإضافة أنهُ يجيد التحدث لأربع لُغات، هو شخص لا يعرف في حياتهُ سوى الجدية البالغة وبعضُ من القسوة بسبب طبيعة عملهُ”
تعالت الزغاريد والتهنئة عقب أن ولج “مهاب” داخل المنزل الخاص بمعشوقتهُ، نظر لوالدتهُ ليراها تتوجه نحو طليقها ووالده “مُصطفى”، فقد طلقها مُنذ عدة أعوام حيث كان زواجهم زواج تقليدي، فهم لم يحبون بعضهم قط، ولكن تعاهدوا أن تصبح علاقتهم علاقة طيبة، وبعد ثلاثة أعوام من طلاقهم تزوج والدهُ من سيدة أرمله لديها فتاة تعمل في المُخابرات المصرية، لم تغضب “إيمان” بل تمنت سعادة لهُ ولها، ولذلك حينما قرر “مهاب” أن يتزوج بتلك الفتاة لم تمانع أبداً، بل رحبت بها كزوجه إبنها الوحيد.
مدت “إيمان” يدها لتصافح طليقها بابتسامة صافية:
_إزيك يا مُصطفى؟
صافحها “مُصطفى” بذات الإبتسامة وهو يردد :
_الحمدلله، إنتي عاملة إيه؟
_الحمدلله.
هتف بحرجٍ:
_إيمان، أنا بسألك مرة تانية، هو إنتي مضايقة أنا إبننا هيتجوز بنت مراتي؟
هزت رأسها نفياً قائلةً :
_إحنا من يوم ما إتفقنا نبقى أصحاب وأنا بتعامل معاك بنية صافية، وبنتك هتبقى زي بنتي إللي مخلفتهاش.
شعر براحة كبيرة تعتريه بعد أن هتفت بتلك الكلمات، فقال بسعادة :
_ريحتيني بعد كلامك ده.
حركت رأسها بحركة خفيفة وهي تقول :
_طب يالا عشان عايزة أشوف أُم العروسة والعروسة، ونكتب الكتاب.
تحركا معاً نحو غُرفة الصالون حيث يوجد المعازيم، إنطلقت زغاريد قوية عالية حينما ظهرت صاحبة تلك الليلة بفُستانها الذهبي، زاد جمالها حينما وضعت كُحل على عيونها وذلك الأحمر الشفاه الخارق الذي يُخطف الأنظار، أحس بإرتفاع نبضات قلبهُ في صدرهُ، رفع حاجبهُ للأعلى موضحًا إعجابهُ بها، بدأت تصافح المعازيم وتحركت صوب حماتها لتحتضنها فاحتضنتها الأخرى بحنان ثم جلست بجانبها وهي تحاول أن لا تنظر إليه حتى يتم عقد قرآنهم.
” بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في الخير”
عند نطق المأذون بها، صدحت صفارات وصيحات صاخبة، ونهض العقود من مجالسهم مُهنئين في خضم التصفيق الحار، وإتجه الرجال نحو العريس بالمصافحة والاحضان وكذلك العروسة.
” آثار سليمان، ضابطة في المُخابرات المصرية، في أواخر العشرينات، ممشوقة القوام، تتميز بالعيون التي باللون العسلي، وببشرتها البيضاء، و بالشعر الاسود الطويل الكثيف، من أهم الضباط في المُخابرات المصرية، حيث تجيد التحدث لست لُغات مُختلفة، وهي أيضاً تجيد إستخدام بعض الأسلحة أهمها المُسدس والبُندقية، وتجيد أيضاً في قيادة جميع أنواع السيارات والطائرات، عُرف عنها أنها فتاة جدية لا تقبل أي نوع من القسوة او الحدة، وذلك من أهم الأسباب التي جعلت حبيبها يقع في بحر غرامها، توفي والدها مُنذ عدة سنوات، وأثر ذلك على شخصيتها الجدية، فوالدها كان بالنسبه إليها صديق وأخ ليس ليس أب فقط”
بعد فترة قصيرة.. كانت واقفة مع إحدى أصدقائها الفتيات ولكن غادرت لأمرٍ ما، وقفت وعلى وجهها إبتسامه صغيرة، وفجأة.. وجدت من يسحبها الى ركنٍ فارغ، وقبل أن تُشهق بصدمة كان يضع يداه الرجولية على فاهها هامساً بإبتسامة ماكرة :
_إهدي يا حبيبتي، ده أنا!
أبعد يداه وهو يتأمل ملامحها، فقالت وهي تحاول ضبط أنفاسها:
_هو إنت عاوز حاجة؟؟
جذبها من خصرها بحركة مفاجأة أدهشتها ليهمس ملامساً أذنها بطريقة جعلت بدنها يقشعر :
_عاوزك سعيدة زي ما أنا سعيد جداً دلوقتي، لأنك أخيراً بقيتي مراتي حبيبتي.
توترت من إقترابهُ المفاجئ، فهتفت بإستيحاء :
_مهاب أرجوك أبعد شوية، ممكن حد يشوفنا و..
عندها لم يستطع تمالك نفسهُ، قاطع كلماتها بشفتيه ألتهمت شفتاها بشوقٍ بالغ، أبتلع شهقتها بجوفهُ، لا تدري ما الذي حدث، بل شعرت بأنها في عالم جديد، ظل يقبل شفتيها باللهفة وشوق، شعرت أنها ستفقد الوعي من كثرة المشاعر التي أجتاحتها فجأة، ولكن ظل محاوط خصرها بقوة، تحركت أصابعهُ ببُطء عند خصرها وظهرها بطريقة جعلت أعصابها تسترخى، لحظات وكان يبتعد حينما شعر أن أنفاسهم قد بدأت تقل، رفع عينيه لتقع على عيناها التي باللون العسلي، رمقها بعشق وهو يتحسس شفتيها المُنتفخة بإصبعيه قائلاً بهمسٍ مغرٍ:
_ معلش، مقدرتش أمسك نفسي، أنا مش قادر أصدق إنك خلاص بقيتي ملكي.
زاد توترها حيث قالت بهمسٍ :
_مهاب، أناا….
قاطعها قائلاً بهدوءٍ :
_آثار، أنا بحبك فعلاً، عايز أقولك إني طول ما أنا عايش هبقى عايش عشان أقدر أسعدك، أنا إللي هرسم إبتسامتك على وشك إللي حبيتهُ من أول نظرة، لأن لو حد رسمها غيري يبقى، أنا ماليش أي وجود.
مد يدهُ نحو وجهها ليلمسهُ برقة قائلاً بنعومة :
_أنا بوعدك إني هفضل ورا ضهرك، هفضل سندك، وأنا وإنتي هنفضل مع بعض في الحُبَّ وفالقتال.
صمت للحظة وعاد للحديث وهو يقول بصدق:
_وده وعد من واحد عاشق، و طول ما أنا عايش هتفضلي عشقي، عشق الثعلب.
“أَنَتْهَاءُ الفَصْلُ الأَوَّلُ”
رأيكم بقى?❤️..