رواية البقاء للأقوى للكاتبة نوران شعبان
- الـبقاء لـلأقوى –
• الـفصل الـثالـث •
••
:- هـا قـولت إيـه ؟ هـتتعاون معانا و مُـقابل كـدة هـاخلصك من أيّ قـضية اسمـك متسجل فيها .. و لا هـتقول اللي احنـا عايزينـه و رجـلك فـوق رقبـتـك و مـقامك هايبقى الـسجن جنب صـاحبك ؟!
أعقبـت بـها تـلك الأُنثـى الـشرسة و هى تـدور خلفـه ، بينما زفـر ” مـايـو ” بـضيق و نفـاذ صـبر لأنها تستجـوبه و الـشريط الـلاصق مـازال على فـمه ..
انتبهت على ذلك فـتنحنحت بـخشونة في محاولـة لإخفـاء غبـائها و أزالـت الـشريط بـعنفٍ من على ثغـره …
إتكـأت أهـدابه الـعلوية على الـسُفلية بـشدة غـالقًـا عينيه يحاول كبـت إنفجـاره و تمالك أعـصابه ، إجفـل يـرطب شفتيه بـلسانه و يُـقلب الأفـكار داخلـه و مـا الـرد الـمناسب لـذلك الـموقف فخـرج صـوته الـحاد الـمُفحم بـالرجولية الـصلبة يُـزمجر بها :-
_ إنتِ لـو عقلـك أوهـملك إني ممكن أبيع صـاحبي مُقابل حُريتي يبقى مـاتعرفنيش ، لو أوهمـلك أصلًا إنك تقـدري تجـبريني على حاجـة يبقى ماتعرفيش حاجة من الأسـاس مسكينـة !
لاحظ هـدوئها و سكـونها عن الـحركة ، فـتنبأ أنها تُـحضر لـقولٍ ما ..
سمع صوت خطواتها تقتـرب و لـهجتها الـتهديديـة الـواثقة قـائلة :-
_ بـس أنـا أقـدر أجـبرك !
إمتـد كفـها يقبض على الـمنضدة أمامه تضع صـورة لـفتاة صغيـرة و من ثم سحبت ذراعها بـسرعة ،
إتسعت مقلتاه يُحدق بـالصورة بـشبه صـدمة تحولت لـغضب و قد أوشك على الإنفجـار بعد أن أطلق سبـة خـافتة ..
صـرخ مُمـيلًا رأسـه للـيمين و يـحاول الـتخلص من عُقـدته :-
_ إيّــاكي !! إيّــاكي حد يقـرب منها و لا يمس شعـرة واحـدة منها بس فـاهمة ؟
إنخفضـت لهجـتها تمامًـا تهمس بـخفوت و دلالٍ جانب أُذنه مُتعمدة أن تُصيب أنفاسـها عُنقـه الـمُتأثر بـسمرة خفيفـة :-
_ تـوء تـوء ،، و بـعدين ؟ ما أنا قـولتلك هتتعـاون هـاخليك ملك .. هـاتعيش دور الـصاحب الـوفي يبقى أنا كمـان هـقوم بـدوري و أحـل الـقضية بـمعرفتي ! هـا قـولت إيـه ؟
تنهـد مـايو بـصعوبة و استطـاع لمح طـيفها من خلفـه ، على الأرجـح اللُـعبة لن تكـون مُيَّـسرة قط ! بـل سـتكون عنيفـة لأقصى حد ..
أغلـق نصف عينيه بـنظرات ثاقـبة يأمُرها بـشئ تمنـاه من أول الـحديث :-
_ تعالـى في الـنور كـدة ؟
تغلغلت لـمسامعه ضـحكتها الـساخرة الـمُنحلة من خلفـه ، فـابتسم بـسخرية تـامة عليها ..
توقفـت عن الـقهقهـة لـتسخر بـإهانة :-
_ Beauty and The beast !
قـررت تبقى الـجميلة ” بيـلا ” و أنـا الـوحش ؟ راضيـها على نفسـك طيب ؟..
عـادت لـتقهقه بـخفة ، زفـر بـملل و قد كـلّ الـحديث لـيجز على أسنـانه آمرًا إيـاها بـ :-
_ أقفي فـي الـنور !
نـظرت لـرأسه من الـخلف مليًـا تفكر ، رسـت على الـتحرك ببـطئ متوجهـة للـجهة الـمُقابلة لـه .. في نفس الـوقت الـذي كـان يـرفع رأسـه على مهلٍ مُـتأهبًـا لـرؤيتها …………
••••
إعـتكز ” يعقـوب الـشامي ” على إحدى رُكبتيـه يحـاوطها بـكفين يديه إحديهما على الـمقعد و الآخر على الـمنضدة الـدائرية التي زُينت بـالحرير و الـورود الـحمراء الـبديعة بـرائحتها الـفواحة و قد غُلف سطح الـمنضدة بـأشهى الأكـلات ..
بينما ظلـت مـلـكـة تُحدجه بـسخرية و تُـمرر أعينها لـتتفحص ملامحه
لـيس كما يبدو في الـصور ، بـل أوسـم بـكثير !
ذقنـه الـخفيفة الـمُحددة بـإتقان فـي طـلاءٍ أسـود إختلط بـخُصل بيـضاء تمامًـا كـشعره لـكبر سنـه ، فـهو فـي الـسابع و الـثلاثين من عـمره
بـشرته الـقمحية تناسبـت مع حـدقتيه الـبُندقيتين فـحَسُنَت مـلامحه الـبسيطة ..
فـي نفس الـوقت كـان يبـادل سهـام سخريتها بـنظرات رجـاء و استعـطافٍ ، نـهض ببـطئٍ من مكانـه لـتجفل و قـد إتضـح طـوله الذي لا يـفرق شيئ عن ذلك الـضخم الـسابق سوي بضعة سنتيمترات
سـار بـتثاقل و ركـن خلفـها ، لـتشعر بعد ثـانيتين بـعُقدة كفيها تنحل و تتـحرر اخيـرًا !
تـركتهما كمـا كانا حتى لا تتضح آلامـها و يشمت بـها بـداخله ، لململت الأفـكار و هيّأت حـصون دفـاعها و فُـرسان كلماتـها للـمعركة الآتيـة …
جـائها صـوته و هو يلتـف مـن حـولها حتى جلس أمامـها على الـمقعد مُحدقًـا بـحدقتيها تُـشبهان خـاصته كثيـرًا ! نفس اللـون تقـريبًـا لكن اختلفـت الـنظرات
:- الـحقيقة مـش عـارف اودي وشي منك فين بـسـ ..
صمـت لـثانية قبـض فيها كـفه على زُجاجـة الـعصير الـبُرتقالية لـيبدأ بـسكبها فـي كـوبين من الـكريستال اللامـع الـخاطف للأنظار و يُـكمل بـلهجة اسـتشعرت فيها ملكـة الـتهديد و الـتهويل :-
_ انـا كُـنت حـابب ادردش معـاكي فـي كلمتين ، رجـالتي فهمـوا غلط و اسـاءوا الـمُعاملة ليكي ..
هـبّ يعقوب للـأمام فجـأةً لكنـها لم تتحـرك أنش و لم يهتز لها جفن ، رسـت أهـدابها بـهدوءٍ تـام ..
مـد كفـه بـكوب الـعصير لـها مُستكملًا حـديثه و قد إرتفع حاجباه للأعلى :-
_ بس طبعًـا لو حبيتي أنا ممكن أقتلـهم تحت رجليكي حالًا !
إرتسمت تـعابير الـجمود على مـحياها بـحرافية و إتقـان و هى تـرمقه بـنظراتها الـثاقبة و الـتهكمية في آنٍ :-
_ و هو يا يعقوب باشا ، فـي بردو حد عايز يدردش مع حد في كلمتين يبعتله رجالـته ؟؟ ما حضرتـك تـعرف مكان شغلي عز الـمعرفة و لا إيـه ؟
لـم تُعير كفـه الـممدود لها أيّة اهتمـام ، و لـم يخجل هو الآخر بـل اعقّب و كفـه مازال ممـدودًا :-
_ بـعترف إني غلطان ، و بـعتذر للـمرة الـتالتة و بتمنى تتقبلي اعتـذاري و .. و عزومتي على الـعشا ؟!
قـال آخـر كلمـة بـشبه أسلـوب إستفـهام ، لـتُصوب سهامـها الـمُشتعلة بـالحقد تجـاهه ، تتـمنى إصـابة قلبـه لا حدقتيـه الـماكرتين ..
إلـتوى ثغـره بـإبتسامـة يُقـال عنها سـاخرة رغـم مُـحاولات ذلك الـمكار في الـظهور كـالملاك ، هتـف عـاقدًا ما بين حاحبيـه بـلهجة تهكُـم حـاول إخفـائها تحت مظـلات الـمرح :-
_ إشـربي .. متخـافيش مـافيهوش مُنـوم و لا حاجة إستغفـر الله !
ردت ملكة الـسخرية بـمثلها ، لـتفرد ظهـرها مُتقدمـة للـأمام كـأنها تملـك شجاعـة الـدُنيا و راحـة الآخـرة لـتتناول الـكوب من كفـه ضاغـطة على أسنانها الـسُفلية تـؤكـد على مخـارج الـحروف و الـكلمات بـشدة :-
_ لازم تـعرف كويس أوي إن مـلـكـة ثـروت مـابتخافش من حـاجة .. أبـدًا ! مـلـكـة ثـروت مـالهاش نُقطـة ضعف ، فـاهـم ؟!
إحتـوت شفتاها مُقدمة الـكوب تـرتشف منـه دون ذرة تـردد و نظرها مُثبت عليـه تتـحداه صـراحةً ..
بينما أظلمـت عينـاه كـليلة إستتر فيها الـقمر ، تحـولت مـلامحه للـحظة نحو الـسُخرية و الـتهكم الـتام كـأنها تُخبـره أن الـصنم تـحدث و قـال أُحـبكِ ؟!
عـاد بـجسده للـخلف يستند بـأريحية مُـرتشفًا من كـوبه و عـيناه تـفترس مـلامحها جيـدًا ..
مـلامح لا يـوجد بـها ما يجذب سوى حدقتيها ، بـشرة ليسـت بـالنقاء الـمطلوب شفـاه رفيـعة كـنزة شـاحبة اللـون فـلماذا كـل هذا الـغرور إذن ؟؟
فكـر مليًّـا ماذا لو كـانت فـائقة الـجمال ؟ أكـانت دهستـه بـأقدامها مثلًا ؟!
جـففت سـيل أفـكاره بـسؤالها الـحاد الـمُقتضب :-
_ تقـدر تُـخش في الـموضوع على طـول ؟ الـوقت كـالسيف يا يعقـوب بـاشـا ..
تنهـد و إنتفـض للـأمام كـأنه تذكر شيئًا ما ، إبتسامـة وُضعت على ثغـره الـشهواني بـبراعة مُـصطنعًـا دور اللـطافة و الـمرح الـشبابي :-
_ هـانخُش أكيـد ، بس الأول نتعشى و اهـو يبقى في بينا عيش و ملـ ..
_ مـرفـوض …
لم يكمل الـكلمة حتى كانت تـقاطعه بـصرامة ليس لها مثيل ، إصـرار واضح في نبرتـها و نـظرتها جعـل حاجبيه مُرتفعين بـإندهاش من جـرائتها خـاصةً في مـوقفها فـهي كـالعصفور وسـط مُستنقع الـصقـور !
أكملـت بـعد أن إنكمشا جفناها :-
_ الـجو ده ماياكُلش معايا يا بـاشـا ،، أنا مش عَـيّلة صُغيرة هـا ؟! يـاريت بقى تُخش في الـموضوع عشان ننـهيه بـسُرعة ..
هـزّ يعقـوب رأسـه بـالإيجاب مـؤيدًا لها و لـحديثها ، تغـيرت نبرتـه للخشونة و نظراتـه للـحدة و صـوته يـصدح :-
_ إنـتـي صح ، واضـح إن الذوق مايجيش معاكي سكـة و ده على فكـرة مش في صـالحك أبـدًا .. أبـدًا !!
••
قـيل ضمن الـمأثورات الـمكنونة
(( إن لم تستطع الـفوز ،، إفسـد الـمُباراة و تصنع الـغُلب ))
قـبض ” جـاسـر الـشناوي ” على الـسهم الـحديدي ثـقيل الـوزن ، رفعـه صـوب عينيه الـثاقبتين الـحادتين لـيظبُط الـزاوية ناحيـة الـدائرة الـمُعلقة على الـحائط في آخر الـغرفة ..
حقـد بـملامح الـرجُل الـمطبوعة على الـدائرة لـيُميل الـسهم نحو ما بين الـحاجبين و جُملـة صـدحت داخـل عقلـه لـتتردد بـصدى الـصوت مُسببة حالـة شـرود لـجاسر
(( حُـط في بالك الـكلام ده كويس جدًا ،، لو ماعرفتش تكسب بـوّظ اللـعبة و قول مش لاعب …
لـو مش هتكسب ماتسيبش غيـرك يكسب ، دمَّـره و وقتها هتبقى كسبت خسارته يا جاسر … ))
رنّـت الـجملة ” هتبقى كسبت خسارته ” بـخُلده لـتنكمش عضلـة فكـه الـسفلية بـوضوح ، و لم يلبث سوى ثـانية و كان الـسهم مُصمت على الـدائرة بين حاجبي الـرجل الـمطبوع عليها … و الـذي لم يكن سوى ” يعقوب الـشامي ” !!
••