رواية البقاء للأقوى للكاتبة نوران شعبان

  • الـبقاء لـلأقوى –
    • الـفصل الـخامـس •

••••

تعالـت قهقهـات ” مـلـكـة ” بعد جُملـة الـ باشا ” يعقـوب ” و الـتي لم تكن مُضحكة بـالمرة ، صوتـها الـصاخب الـشبابي يـؤكد مدا تـهورها ..

أردفـت بعد وصلـة الـقهقهات بـإستهجانٍ و نصف غمـزة خبيثـة :-

_ أول جـريمة ترتكبـها في حق ست إيه بقى يا باشا ؟ ده أنا اللي محضـرة جـرايمك جريمة ورا جريمة بـإيدي دي فـبلاش الله يكرمـك تمثل دور الـشهامة !

زُخرفـت إبتسامة جانبية على محيـاه نـاظرًا لها و حاجباه مُعلقان في الـهواء بـتلقائية بـدت لابقـة مع مـلامحه الـخشنة كثيـرًا ، عقَّـب بـصوتٍ هـادئ مخملي :-

_ طـيب ، متهيئلي ده مُـبرر كـفيل إنه يخليكي تسلمي .. و لا إنتِ عايزة اسمك يتحط جنبهم ؟

داعبـت أصابعها الـكوب الـكريستالي لـيلامس ثغرهـا الـكَنِز مُقدمته ترتشف من الـعصير بـتلذذ جم ، تـمسكت بـالكوب و عادت تتـرك لـظهرها سُبل الـراحة بعد وقوفٍ دام لأسبوع فـوضحت مقصدهـا بـغرور و تعالٍ :-

_ مافيش مُبرر في الـدنيا يقدر يخليني أسلم يا باشا ، أنا بـدأت في الـمجال ده و عارفة كويس حجم الـمُخاطرة بتاعتـه قد إيه و مش خايفة من أي حاجة .. أنا زي ما قولتلك ماليـش نُـقـطـة ضـعـف …

تعمدت الـضغط على آخر كلماتها ، فـسحب يعقوب كميـة ضخمة من الـهواء يُنعش بها رئتيـه و زفـره على مهـلٍ و هو يـدرب لسانـه على الأحـرف الـمُلائمة للـنقاش فـإسترسل بـهدوء عاقًدا ساعديه على الـطاولة :-

_ بصي يا آنسـة ، أنا عارف إنتِ عايزة إيه كويس .. شُـهرة و فـلوس !
و أنا يا ستي تقدري تعتبريني مصـباحك الـسحري اللي هـيحققلك أحلامك ، أوعـدك إنك لو سلمتي الـفلاشة هـأكتبلك مبلغ عُـمرك ما حلمتي بيه .. و هـفتحلك برنامج في أكبـر قنـاة فيكي يا مصـر ! و إعـلانات و دعـايا و خُـدي من ده كـتير بقى … هـا قـولتي إيـه ؟!

أطـرقت ملكة رأسها للـخلف تستند على حافـة الـمقعد ، و تـركت مساحـة للـأفكار لـتجول بـخواطرها و تسبح في بـحور الـوعي و الـمنطق …

••••

إرتقـت سُميّـة مُكعبـات الـدرج بـقدم أماميـة و الأُخرى مُنسحبة ، تـردد كبير إحتل عواصف أفكـارها ..
هى تعـرف تمام الـمعرفة أن مُعتز سيكون موتـها يومًـا لا مُحـال ، فـهو مُـراوغ مُتهـور لازال شـابًـا يعشق أفـلام الـرُعب و دائمًـا ما يُنفِّـذ ما رآه في تلك الأفـلام على أهلـه لـذلك يتجنبـه الـجميع بـسبب ذلك ، بـالإضافة لـمُزحاته الـتي لا تـمُت للـمزاح بـصلة جعلـت سيط ذكـره ثقيـل على قـلوبهم …

إمـتد كـف سمية على مقبـض الـباب لـتتنفس بـهدوء و تقوم بـلويه فـإرتد الـباب للـخلف مُصـدرًا صريرًا مُخيفًا .. حدجت الـمكان بـنظرات عابرة مُختلسة لـتجد الـسكون الـتام سيد الـحجرة ، ثـارت أمواج الـخوف بـمجاريها أكثـر فـالهدوء تسبقـه الـعاصفة .؟!

دلفـت للـغرفة لـتجد جُـثة معتز راقـدة على الـفراش بـسلام ، نـائم على ظهـره صوت أنفـاسه مرتفعة مختلطة بـزئير مُتخشرج لـتطمئن أن لا محل للـحيل الآن فـتحركت بـخُطى واسعة نحوه هاتفـة بـ :-

_ مـعتز .. ميزو إصحى يلا إحنا مستنيينك على الـغدا !

وجـدت صوت حشرجته تتـخمر شيئًا فـشئ ، لـتدن نحوه مُربتـة على كتفـه الـعريض تحت تـيشيرته الأسـود الـمطبوع عليه جمجمـة بـالأحمر الـقاتم ..

غـرزت أصابعها بـعنقه تدغدغه بـنبرة مرحة :-

_ يلاا بقى يا إحنا بقينا الـضهر ! الـمفروض يبقى ليك عقاب بس إتس أوكيه هاعديهالك الـمرة دي ..

لمـحت شعـره الأسـود ذو الـبريق الـمثير لـخطف الأنـظار يتحـرك للـيمين و يتململ لـيلتف لـوالدته ثم بـالحركة الـبطيئة إستند بـذراعيه على الـفراش لـتبرز عضـلات عضديه بـاللون الـذهبي ، سمعـت صوت زئيـره الـناعس مرةً ثانيـة و هو يتنهد مُلتويًا لـيُقابل وجـهه محياها فـتشهق مُـرتدة للـخلف حتى سقطت على الأرض جاحظة الـعينين !

فـذلك اللـعين كـان يرتدي قنـاع لـوجهٍ أقـل ما يقال عنـه مُـرعب بـالدماء الـقرمذية الـتي تنساب من إحدى عينيه بـالإضافة لـثغره الـذي تورم بـالكامل و أسـود يغطي سطحية ذلك الـوجه الـمُخيف …

إنحل الـقناع عن الـوجه الأصلي لـيظهر أخيرًا ” مـعـتـز ” الـمُتجنَّب من الـجميع يقهقـه بـسذاجة على والـدته الـتي باتت ملامحها جامدة راكـدة تجعل من جفنيها على شكل مستقيم ، تحدث مُعتـز بعد أن ضـرب بـكفه على الآخر بـإستمتاع :-
_ و أخـــييرًا حد هـلّ ! ده أنا قعدت ساعتين مستني حد يطلع علشان أعمل الـحركة دي !

سحبـت سُـميّة نفسًـا عميقًـا زفـرته على مهلٍ و كفـها مُثبَت على قلبـها تحاول تهدئتـه و بث الإطمئنان داخل شـرايينه ، اتسعت إبتسامة معتز و حمحم مـاددًا كفـه لـوالدته الـمرقومة على الأرض صائحًا :-

_ إيـدك يا ست الـكل أسحبك !

حدجتـه هى بـحدة تصوب سهـام نظراتها نحوه ، لـتلومـه مُعاتبـة بـغضبٍ مكنونٍ داخـلها :-

_ لـحد إمتى ؟ لـحد إمتى يا معتز هتفضل على الـتفاهة و الـسماجة دي ؟! الـناس بقت بـتبعد عنك واحد ورا التاني بسبب مقالبك و هزارك الـسخيف لـحد إمتى هـا ؟!!

إمتعضت تعابيـره و إختفت الإبتسامة من على ثغره لـيهمس بـهدوء و قنـاعـة :-

_ ماما بلاش تكبري الـموضوع .. أنا كنت بهزر !

هبـت والـدته واقفـة و بـسخطٍ صاحـت بـه :-

_ هـزار إيـه ؟؟ إنت حياتك كلها عبارة عن كـدة يعني حياتك كلها هـزار في هـزار ؟؟! فين شغلك إنت واحد ماشي في الـتلاتين و قاعد في البيت ..! غيرك بـيجهز شقتـه و البيه قاعد ماوراهوش غير المقالب ؟!

صمـت معتز و أشاح بـوجهه للـجانب الآخر و قد إنتفخ و بـرز وَدَجُـه دلالةً على إحتقانـه من ذلك الـحديث الـمُهين ، إنخفضت نبرة والـدته و تحولت إلي نبرة آسفـة و هى تختـم لقـائها قبـل أن تتـركه و تهبط للـأسفل :-

_ فـوق بقى شوية يا معتز ، فوق يا حبيبي و عيش شبابك إنزل إشتغل و سافر و إعملك صحاب .. عمرك هايعدي و تندم على الـحاجات اللي فاتتك بعدين …!

••••
( قُـبـلـة ؟ )

فغـرت ” فـيروز ” فمـها بـإستنكار ممـزوج بـشعبة الـصدمة ، فـكان رده بعـد حالـة صمت و تحديـق هو قُـبـلـة أرسلها لها في الـهواء ؟!! أهو جـاد ؟ حقًـا هـكذا أجـاب على صـريخها عليـه ؟!

لـوت عنقـها للـيمين و للـيسار فـإتضحت عـظام عُـنقها الـبارز ، زفـرت مُتكئة على صـف أسنانها الـسُفليّ و عـاودت الـحديث و هى تـرفع أصـابعها على عـدد أربـعة :-

_ رابعًـا : مش بحب أضـيع وقتي ..
خـامسًا : لازم تـعرف إنـت مطلوب منك إيـه كـويس ، كُـل الـحكاية و ما فيها تقول اسم الـمكان و أنا عليّا الـباقي و طبعًا بـأكد ليك تاني إنك هتخرج من الموضوع زي الشعرة من الـعجينة و كل طلباتك مُـجابة ، فـي أي إستفسار ؟!

أمـاء بـرأسه إيجابيًـا ، لـتُشير له بـعينيها تـحثه على الـقول لكنـه رفـض هامسًـا :-

_ قـرّبي ..

_ نـعم ؟؟
أجـابته بـعينين جاحظتين و وضعـت كفها خلف أُذنها بـإستنكار ، لـيكرر أمـره ببـلاهة :-

_ قـرّبي ! عشـان أقـولك الإستفسار يعني ..

زفـرت الـهدوء و قد نفذ صـبرها لـتقترب منـه و إحتفظت على مسافة تُعقل ،، بـالأصل كانت تعلم إنه زير نساء فـارغ الـعينين و يجب وضع حدود بينها و بينـه مع إرتخاء خفيف حتى تنـل ما تنويه ..
إقتـرب هو بـرأسه لـيهمس مُحدقًا بـعينيها :-

_ عينيكي .. حقيقي و لا لينسيز ؟؟

أخرجت ” فـيروز ” لـسانها تُـرطب شفتيها ، لـتقترب منـه أكثـر قـائلة بنفس نبـرته الـهامسة :-

_ شكلك مابتفهمش ، و أنـا كـدة هـأقلب على الـوش الـتاني ..

إقترب أكثـر حتى شعـر بـعطر أنفاسها يـنسجم مع أنفاسـه فـتابع بعد أن تنقلت عيناه لـثغرها الـمُنتفخ بـإطلالة فـي اللـون الـقرمذي يُـناسب لون الـنمش فـبدت مـلامحها مُنسجمة كثيرًا نـادرة في الـطبيعة :-

_ و شفـايفك … منفـوخة كـدة طبيعي و لا ضـرباها عمليـة من إيـاهم ؟

للـحظة من نعيم تـرك حـدقتيه يـنتهزان فُـرصة قـربها و يتوغلان بـشجاعة حول ملامحها و خُصلات شعرهـا الـناريّ الـصاخب فـواصل حلقـة مُـغازلاته لها :-

_ الـنار اللي قـايدة في شعرك دي ، قـايدة طبيعي و لا لفتيه في أمبوبة أوكسچين ؟؟

شعـر بـإنتصاب تعابيـرها و الـسخونة الـمُنبعثة من محياها دلالةً على غضبها و إنفجارها الـداخليّ ، فـارتسم شبح إبتسامة مُسلية على ثغـره سترها فورًا و إستكمل مُتعمدًا هبّ أنفاسـه في وجهها :-

_ طـب و الـنمش دهــ…

لم يستكمل لإنه على حين غرة وجـد الـشريط اللـاصق يُطبع على فمـه مُسببًا له إعاقـة في الـحديث ،، بينما الـتوى ثغر فيـروز بـإبتسامة شيطانيـة لـتبتعد عنـه مُـولية إيـاه ظهرها خـاتمة اللـقاء بـ :-

_ خليك كدة شوية من غير أكل و لا شرب يمكن تتعب و تبطل كلام ، بس ماتنساش …. كـل ما بتضيع في وقت ، كـل ما عيننا بتوسع على الأمورة الـصغيرة !!

••

نزلت سميـة و قبل أن تهبط قدمها على أسفله كانت الأُخت الـكُبرى تهرول إليـها مُتلهفـة :-

_ ماما إلحقي ! في ناس برا بيقولوا إنهم تايهين و مش لاقيين مكان يقعدوا فيـه و بيطلبوا لو يقعدوا هنا لـبكرة عقبال ما يلاقوا مكان ..

انكمش جلد سُميـة الـذي رغم كبر سنها لم تؤثر الـتجاعيد بـجمالها و الـذي يمتد جذوره إلـي فـرنسا فـورثت من أجدادها الـشعر الـذهبي كـعينيها تمامًا ، مطـت كتفيها بـلا مبالاة قـائلة :-

_ قوليلهم مافيش مكان يا مي إحنا إيش عرفنا أصلهم إيه إفرضي حراميـة مشيهم يلا !

ذمت مـي ثغرها بـعدم رضا ، كانت تتـودد لإبقائهم كـفعل خير ينضم لـسجل أفعالها الـحسنة دائمًا لكن تعلم جيـدًا أن والـدتها على نقيضها تمامًـا و لن تقبل فـاستدارت لـتخبر الـسائلين بـالرد ..

إستوقفها صوت والـدتها الـراكض و هى تهتـف بـ :-

_ استني استني استني ! خليهم يخشوا بـسرعة دول ممكن يكونم جماعة الـتقييم لـمسابقة الأسـرة الـمثالية و مـتنكرين عشان يشوفوا رد فعل كل عيلة مقدمة في المسابقة !! عملوا كـدة في سنة من السنين أنطك چيهـان حكتلي حاجة زي كـدة … خليهم يخشوا بـسرعة يا مي بـسرعة !

لم تعِ مي شيئًا من حديث والـدتها الـسريع ، لكنها استدارت لـترحب بالـلاجئين أو جماعة الـتقييم الـمتنكرة بـهيئة لاجئين كما أباحت والـدتها لكنها إستوقفتها للـمرة الـثانية و هى تهرول تجاهها :-

_ و لا لأ استني أنا هقابلهم بـنفسي روحي إنتِ نبهي على إخواتك و زُهـرة أيـوة زهرة لبسيها لبس كويس و ماتخليهاش تقول إنها خدامة خليها تقول صـديقة للـعيلة سامعة !

توترت مي من حركات والـدتها الـمُشتتة و إلتفت و للـمرة الـثالثة تستوقفها سميـة بـصياح :-

_ مـيي استني ! معتز .. معتز تجري تبلغيه فورًا و تحذريه من مقالبه و هزاره السخيف خليه مايطلعش أصلًا ياريت !

إسترسلت بـهدوء و رجاء و نظرات تعاطف تتراقص بـحزقتيها :-

_ عايزين نكسب المسابقة بقى يا مي ، مش عايزة نيـزك تشمت فينا ها !!

أماءت مي تـؤيدها بـإيجاب ، لـيتحركا الإثنان مهرولين إلـى وجهاتهما

error: