رواية البقاء للأقوى للكاتبة نوران شعبان
رواية البقاء للأقوى للكاتبة نوران شعبان
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة
• الـفـصـل الأول •
••
داخـل غُـرفة مُـغلَّفـة بـأحدث الأجهـزة الإلـكترونية ..
جـلس شـابٌ فـي الـعقد الـثاني من عُمـره و الـعرق يتصبب من مـحياه بـغزارة كـأن الـشمس تعامـدت فـوق رأسـه و أقسمت بـالبقاء ، جـلس أمـام أحد الأجـهزة مُتشتت الـمقلتين و أصـابعه تتـحرك بـإرتجافة مُثيرة للـشفقة على الـجهاز الـخاص بـالكتابـة …
بينمـا خلـف ذلك الـمسكين يـقف وحـشٌ ضخـم يستند بـمرفقيه على الـمقعد بـملامح صـارمة و هـالة مُرعبة تـدب الـرعب فـي أوصـال كـل مـن سمـع اسمـه فقط !
تنهـد الـشاب بـإبتسامـة واسعـة و راحـة أبديـة و هـو يسحـب من آلـة الـطباعة ورقتين سلَّمـهم فـورًا مُتلهفًـا للـرجل الـقابع خلفـه يُصـيح بـسعادة بـادية داخـل بـؤبـؤيـه قبل ثغـره الـمنفرج فـي إبتسامـة تـصل لـحد أُذنيـه و لهجتـه الـمُرتجفة :-
_ لاقيتـه يا بـاشـا لاقيـته !! الـشخص اللـي فتـح الـ email و سـرقه ، جـيبت لـحضرتك إسمـه و حياتـه كُلها سيادتك في الـملف ده …
تنـاول ذلك الـشخص الـذي يهابـه الـجميع الأوراق من الـشاب مُحـافظًـا على هـدوئه و تـعابيره الـراسخة الـراكدة الـتي قلّما تتـغير ، لـيكمل الـشاب بـنبرة فخـر و إعـتزاز :-
_ و كمـان رجعـت الـحساب حضـرتك و ..
قـاطعه الـراهب بـإشـارة من سبابتـه لـيصمت فورًا عن الـحديث ، بينما توغـلت أنـظاره الـثاقبة تتـفرس فـي الأوراق أكثـر لـيرسى إبهامـه على جزءٍ مـا بـالورقة فـهمهم بـشرودٍ لم يُـلاحظه الـشاب :-
_ شـريف حجـازي …
ذم شفتيـه بعـدها دون إكتراث واضح ، و تـلعلع الـسواد بـحدقتيه و هو يشمخ ذقنـه للـأعلى فـتزداد الـهيبة أكـثر و أكثـر خـاصةً مع الأنـوار الـخافتة الـتي تُضـيئ الـمكان !
خـرج بـخطى وئيـدة مُتمهلـة لـيقابل مَنْ ينحـنِ لـه بـإحترام و قُـدسية لـم يعبـأ بـها ، و اكتـف بـإلقاء الـورق بـمحياه يأمُـره بـصلابة :-
_ عـايز أغمـض عيني ألاقيه قـدامي ……
••••
صـريخٌ حـاد يـصُم الأذن صـدح و مـلأ الـمكان ، لـيتحول لأنينٍ مُـرتفع بعد أن إبتعـدت الأسـلاك الـكهربائيـة عن جـسد ” شـريف حجازي ” الـمُكبَّل من ذراعيـه بـقيودٍ حـديدية ، و قـدماه مُـتفاوتتان فـي الـهواء الـطلق …
انسابـت الـدماء من طـرف ثغـره الـمُتورَّم بـزرقة مُبينـة لـيقترب منـه ذلك الـكاسر صـاحب الإطلالـة الـدامية يقبض على ذقنـه بـقسوة لـيجبره على الـنظر في عينيه ، ضاغطًا عن أسنانه بـقسوة و غـلٍ نبع فـي صـوته الـمرعب :-
_ هـا ؟؟ هـاتنطق و لا أسيب الـكهربا تخلَّص على بـاقيتك ؟!
تحـولت مـلامح ” شـريف ” للـبكاء و الـإنهاك من أثـر ما تعرض له من تعذيب ، لـيحاول الـتحدث فـخرج الـحديث على هيئـة تأتأة و رعشـة :-
_ هـا .. هانطق يا باشا هانطق أبوس إيدك كفاية إرحمني .
إرتـدت الـذي حتى الآن مُلقَّب بـ ” الـباشـا ” للـخلف يحدجـه من أعـلاه لـأسفله ، لـيشير إلـى رجـاله بـفك الـقيود فـأطاعوه فـورًا و سقـط شـريف تتـهاوى جُـثته على الأرض دون حـولٍ و لا قـوة ..
جثـى الـباشـا على رُكبتيـه يـصيح بـه آمـرًا :-
_ إنطـق ..
أخـذ شريف يستنشق الـهواء بـأنـانية كـأنه يُـرحب به لـرجوعه لـأرض الـوطن ، و بـصوتٍ خـرج بـأعجوبة همـس بـتقطع و نحيب يمزق فـؤاده إربًـا لكن ما بـاليد حيلـة :-
_ و .. واحـدة زميلتي و معرفة قديمة ، هى اللي طلبت مني أهـكَّر الإيميل .. عملتلها اللي هى عايزاه و هكرتـلها الإيميل مقابل خدمة صغيرة هتسددهالي ، و بس أقسم بالله يا باشا ده كل اللي حصل .. أقسم بالله ما أعرف حتى الإيميل ده فيه إيه و رحمة ابويا انا ماليّا دعوة بـحاجة …
إحتـدت مـلامحه الـمرعبة أكثـر لـيهتف بنـبرة سـوداء لا تحمل رحمـة و لا لـيونة :-
_ اسمها إيه الـبنت دي و عنوانها ؟
فـي الـمرحلة الـسابقة كـانت تعـابير شريف تتهيأ للـبكاء ، لكن في تلك اللحظة أصبح يبكِ فعليًا على ضعفـه و جُبنه … رعـديـد لا يـمُت للـنخوة و الـشهامة بـصلة هذا ما يصرخ بـه ضميـره و يُـطالب بـالتمسك و عـدم الإستسلام ، يـثور مُشتعلًا بـه – إذا كـان من الـموت بـد فـمن الـعار أن تمـوت جبـانًـا – ..
و فـي الـجانب الآخـر يُصيح عقلـه مُترجيًا هـاتفًـا الـرحمة الـرحمة الـرحمة …
و بيـن إنـقلابات الـعقل الـذي أنهكتـه الـكهرباء و الـضمير الـذي لـم يتأذَ و هُـنا ترجع نقطـة تـأمل في إبـداع الـخالق عـزّ و جـلّ ، الـضمير لا يُلمَس مُـجرد شيئـًا وهميًـا تـربّى داخـل الـنفسِ إذا تأذى الـجسد يبقى الـضميرُ حي يسـانده ، إذا إنهـار الـقلب يُنعشـه الـضمير ، إذا ساءت الـظروف تحمـلّ الـضمير …
– الـضمير يقظ دائمًـا لا تعرف جفناه معنى الـنوم .. –
لـكن فـي عصرٍ كـهذا إنعـدم فيـه الـضمير و أصبحـت الـشهوات الـمُتحدث الـرسمي ، إنعـدم الـضمير وأصبح الـخلقُ هـائمًا على رغباتـه يُسارع في لملمـة الـمتاح أمـامـه ، إنعـدم الـضمير فـظهر الـفساد في الـبرّ و الـبحر ……
لُـكز شريف في معـدته فـصرخ مُـتأوهًـا و انسابت الـدماء بـغزارة أكبـر لـيغمض جفنيه هامسًا بـسرعة كـى لا يشعر بـالعذاب الـداخلي :-
_ ملكة .. اسمها ملكة ثروت .
ماعرفش عنوانها كل اللي أعرفـه إنها صحافية في جريدة الـنهار …
وقـف – الـباشـا – بـقامته الـفارعة و تـركه أخيـرًا ، لـيُقلِب ذاكـرته نحو ذلك الاسم ” ملكة ثـروت ” تـردد على مسامعه مـرارًا ، و كـل ما قفز في ذاكـرته حاليًا أنهـا صـبية مُراوغة كـثيرًا لا تنحـنِ ، لا تستسلم ..
مُهمتها هى فـضح الـمجرمين و بـث جـرائمهم فـي كل مكان و زمـان دون أدنى خـوف أو تـردد ، و من هنا أدرك أن اللـعبة مـؤكدًا لن تكـون بـاليُسر الـمتوقع ……؟!
••••
كـان ” جـاسر الـشناوي ” جـالسًا على مقعـده على أحرّ من جمـر ..
يـطرق بـسبابته على الـمكتب الـخشبي بضعة طـرقات بـإنتظام ، و قـدماه تتحـرك بـهيستيريا لليمين و للـيسار دلالةً على تـوتـره الـجم …
دلـف شابٌ في نفس عمـره الـثلاثيني يلهـث مُندفعًـا للـداخل حتى وقف أمـامـه بـملامح يائسـة :-
_ مالقنهاش ، إختفت كـإن الأرض إنشقت و بلعتها .. و لا حتى زميلها اللي اسمه شريف حجازي ده مالهمش أي أثر !
جـزّ جـاسر على أسنانه و إمتد كفـه يقبض على الـمزهرية أمامه لـيلقيه على الأرض بـدفعة حملت غضبـه الـمكنون بـداخله ، اجفـل الآخر بـسبب ذلك و تراجع للـخلف ..
حـاوط جاسر رأسه بـكفيه و هو يتمتم بـنيران تشتعل في حدقتيه :-
_ أكيـد هو اللـي وراها الـ**** …
بس و رحمة أمي ما هسيبوا !!
••••
بـعد مرور أسـبوع ،،
الـدُنيا ظـلام ،، يـسيطر اللـون الأسود على الـأجواء ..
رائـحة عبــق الـخشب الغُرّ نفّـاذة تـلتف حول عُنقـهِ بـقبضة مُحكّمـة كأنها من عنصر اليورانيوم ، فـإخترقت جسمه الـصلب بـكل يُسرٍ و لـيونة ..
- و قـطعة القمـاش الحالـكة تـلتف صوب عينيه بـعُقدة غليظة ؛ چعلتـه يتململ بـعنف بـذلك المقعد الحديدي الـمُشِل لـحركته ..
حاول التحدث ، الصـراخ ، الصياح .. لكن تلك الـقطعة الـاصقة على فمهِ اچهـرت رأيها بـالرفض قطعًـا
أحس بـالعُقدة الـمضمودة حول عينيه تتراخى شيئًـا فشيئ ، تعقبت بـضوء ساطع يهبط عموديًـا على حزقتيه فأغمضهما سريـعـًـا بـطيف ألم خفيف ، مرت ثوانٌ أخذ يسبّل عدة مرات حتى استطاع الرؤية بـوضوح ..
غرفة مُطِلّة بـالرماد خالية من أي انواع الاثاث ، فقط تلك الطاولة الحديدة الضخمة أمامه ، و مصباح بـاللـون الـأبيض مُعلّق بـالسقف فوق رأسه مباشرةً ..
سمع صوتًـا أنثوي ذو بـحة قـاتلة ! صوتًـا جريئًـا يحمل في طيّاتِـه معاني الثقة بـالنفسِ على أتَم وجه ..
صوتٌ متـمركزٌ يصدح بـتلك الغرفة الرمادية بـصدى الصوت -:
_ محمد رمـضان الـسباعي ، الشـهير بـ ” مايو الضبع ” ، الـسن ؟ 26 سنة ..
إتولـدت و إتربـيت في حـارة الـطواشي شـرنوبي ، إنضميـت لـفرقة الـمقاطيع في فترة طـفولتـك البريئة !
– في فترة شبابـك كنت ماشي ورا هدف سامي اسمه ستات ..
و واضح إن عندك عزيمة و إرادة عاليـة جداً خليتـك تستمر في الـهدف ده لـغاية دلوقتي !
– مش محتاجة أتكلم عن عائلتك لإن دي حاجة بديهية جدًا ، أي كلب معدي أكيد سمع عن عائلة السباعي الـأسطُورية !
والدتـك مُتوفية و ده مهِّد لـوالدكـ يتجوز بدل الواحدة أربعة و جاب بدل العيّل سبعة .!
_ بس أكيد ” مـايو الضبع ” مش هيـسكت ، لازم يحُط الـتاتش بتاعه بردو ! فإتـحرشت بيهم من تحت لـ تحت ، و أهُم في مقـام الوالدة بردو مش كدة ؟
إتـكرشت من الـبيت مُنكَس الرأس ، مفيش ملجأ يـلمك ..
لـمّاك من الـشارع رجُل الـ أعمال المُبجّل و رجل الـمافيا بـنفس الوقت ” يــعقـوب الـشامي ” ، إترقيت من صبي لـدراعه اليمين و آدي نهايتكـ …
- صمـتت لـثوانٍ إنحنـت فيهم لـمستوى رأسه ، و بـصوتها الـمبحوح همسـت جانب أُذنه بـأنفاسٍ تـوغلت داخلـها فـأصابته بـدفئٍ رغـم بـرودة الـجو :-
_ إنت مُتـهـم فـي قـضـيـة خــطـف ” مَـلِكـة ثـروت ” ..!!