من عنبر الحياة (الإعدام سابقا )

ابشع قضية فى مصر

قال ابو عبد الرحمن : فى عام 1998 ميلادية ذهبت الى زيارة بعض اقاربي

وكان التلفاز ساعتها يعرض برنامج اسمه المواجهة

وكان المذيع يجري حوار بين شابين يرتديان الزى الاحمر _ زى الاعدام _ فجذبنى هذا المشهد مشهد المتهم الاول

وهو يبكي ويقول :

انا لا اريد حكم الاعدام بالمشنقة

ولكننى اريد ان يذهب بي الى مكان عام فيطبق فى حكم الله الا وهو القصاص

بحيث يأتى والد الطفلين الذين قتلتهما فيأخذ نفس السكين فيضربني بيده الخمسة عشر طعنة او السبعة عشر طعنة

التى يقولون بأنى ضربت بها الطفلين تلك الطعنات التى لم
اشعر بها ابدا

_ (( ارتكب جريمته وهو لا يشعر لانه تعاطى كميه كبيره من المخدرات ))_

وفاضت عيناه بالدموع

فتهكم عليه المذيع قائلا : ابعد لباس الاحمر ترجع الى الله وتتوب ؟؟

فقال له : اعلم ان دخلى كبير جدا ولم يعرف احد اننى القاتل

وابي له مركز مرموق وكان ابو الطفلين صديقا لوالدى

يعني انه من الصعب ان تحوم شبهة هذه الجريمة حولى ورغم ذلك سلمت نفسي بنفسي

ولم ابال بالمركز او المال او الدنيا ورجائي ان يقام على القصاص عسي الله ان يغفر لى

فتأثرت جدا بحديث الشاب وتعجبت من صراحته وصدقه

فقلت لمن حولى:

والله انى لاشم فى هذا الشاب رائحة التوبة وارجو من الله عزوجل ان يجعله من الصادقين

وانتهى الامر على ذلك حتى كان عام 2000 م وقد قدر الله عزوجل ان اعًتقل لاسباب سياسية فى سجن الحضرة بالاسكندريه

وكان هذا الشاب مسجونا فى هذا السجن

ويسكن فى عنبر الاعدام فسألت عنه وعن حاله مع الله عزوجل

فقالوا لى انه بخير حال مواظب على الذكر والصلاة

فدعوت الله عزوجل ان يثبته على التوبة حتى الممات وتمر الايام تلو الايام

ثم صدر قرار باخلاء السجن لترميمه وتعميره فانتقلنا الى سجن برج العرب وهناك ما أحسن مجريات القدر

فقد شاء الله عزوجل ان يكون مسكنى فى عنبر الاعدام اسكن بجوار هؤلاء

الذين فقدوا كل شىء ولم يبق لهم من الحياة

سوى خطوات تسرع بها الايام بل تسرع بهم الدقائق والثواني

بل تسرع بها الانفاس وكلهم فى حالة ترقب وانتظار لاخر

خطوة تلك التى يكون بعدها الموت ثم الرجوع الى الله عزوجل فاما الى جنة ابدا واما الى نار تلظى

فاخذت اتامل فى هذه الحياة المرعبة ان لم تكن عامرة بذكر الله عزوجل
واتخيل تلك اللحظات التى ينتظر كل واحد منهم ان يساق فيها الى الموت

وهو ينظر وقد وضعت نفسي للحظات فى نفس حالتهم وترقبهم لما يترقبون

ولا اكذب عليكم ؛ لم اطق تلك اللحظات ؟؟ ففررت منها فرارى من الاسد الى حياتى العاديه

فسبحان من جعلهم يتحملون هذه الحياة وصبرهم على ما هم فيها من الكرب العظيم

وكان اول ما سمعته فى هذا المكان الكئيب هو صوت الاذان

قد ارتفع به صوت عذب ندى رخيم قادم من احدى حجرات

المحكوم عليهم بالاعدام فتأثرت جدا بعذوبة

هذا الصوت ونبراته الصادقة وكأنه ينطق بأمارات الاخلاص والصدق .

بعد اداء الصلاة سلمت على هؤلاء الشباب من خلال الحجرات

فرد على احدهم بصوت طفولى وعليكم السلام ورحمة الله

فسألته عن صاحبي صاحب ابشع جريمة فى مصر احى هو ؟

قال نعم مازال حى الحمد لله لكنه ينتظر لحظة التنفيذ

فلما اصبح الصباح وفتحت لنا الابواب توجهت الى حجرتهم اسال عن صاحبي

كنت اذكر اسمه وصورته فرأيته فرفرفت لرؤياه روحى ورقص لها قلبي وقد رأيته يقرأ فى كتاب الله عزوجل

قلت له السلام عليك يا حبيبي ورحمة الله وبركاته ؛ نظر متعجبا ورد السلام وقال لى هل تعرفنى ؟؟

قلت له اعرفك جيدا وقد احببتك حبا شديدا وذكرته بتلك الحلقة التى رأيته فيها

وذكرت له كلامه بالحرف الواحد فلما سمعه اعتنقنى وبكى

ثم قال وهل من الممكن ان يغفر الله لى

بعد ما قتلت طفلين بريئين ؟؟

هل من الممكن ان يتقبل الله منى توبتي ؟؟

سبحان الله كيف يحببنى الله بعد ارتكابي لهذا الذنب العظيم !!

فقلت له يا اخى اما قتلك الطفلين فانه حتما ذنب عظيم لكن عفو الله اعظم

واما بالنسبه للتوبة فاعلم انها من الله وبفضله

فكل توبة من العبد محفوظه بتوبتين من الله عزوجل

توبة قبلها وتوبة بعدها لو كان الله عزوجل لا يريدك فلماذا انعم عليك بتوبة محفوظة بتوبتين ؟

واما حبي لك فانا ارجو ان تكون من الصادقين فى هذه التوبة

ومن صدق فى التوبة احبه الله واحبته الملائكة ووضع له القبول فى الارض….

فما اضوء وجهه بعدما سمع هذا الكلام

كأن جبل من الظلام قد انكشف عن عينيه

وحل محله جبال من النور والفرح والسرور

فقال لى لقد كنت اعبد الله عزوجل فيما مضى على وجل قريب من اليأس

لعظم ما ارتكبت يداى اما الان فانا اعبد الله على وجل يزينه الحب ويحمله الشوق للقاء ارحم الراحمين .

فعلمته بعض العبادات الطيبة

مثل قيام الليل بألف اية ليكون من المقنطرين وحفظ القران

ليرتقى بكل اية منه درجة فى الجنة والاكثار من الصدقات الجاريه والعادية ليطفىء غضب الرب

سبحان ربي الهادى الى سواء السبيل

.. لقد كان من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه

فكانت لا تمر عليه ليلة الا وهو يصلى فيها بالف اية

وكان كثير الحفظ لأيات القران

وكان سخي النفس يؤثر اخوانه على نفسه يعطيهم طعامه

وشرابه يفعل ذلك فى الجهر احيانا وفى السر احيانا كثيرا

لكن يظهره الله برحمته حتى احبه كل من راه او سمع به

وبعبادته وكان لا ينام وحق لمن وجد لذة الايمان الا ينام الليل الا اذا غلبه

وكان بين الحين يذكر اخوانه برحمة الله الواسعة ويذكرهم

بذنوبهم العظيمة لكى يطيروا الى الله بجناحى الخوف والرجاء …

وفى يوم 20/7/2001

نظرت الى وجهه واحلف بالله لقد رايت فى وجهه نورا

يتلألأ لم اره من قبل

فقلت له ما هذا النور الذى اراه فى وجهك ؟؟

فقال لى اننى اشعر باننى سوف القى الله فى هذا الاسبوع بل قد يكون غدا ان شاء الله

فقلت له والله يا اخى لئن كان الامر

كما قلت فقد صدقت عيني فى رؤيا للنور الذى بوجهك

ولم اكمل حديثي حتى نودى عليه للزيارة

فذهب لزيارة اهله ولما عاد وزع ما جاءه من رزق الله على زملائه

وكأنه يشعر انه لو اختزنه فى الدنيا لن يكون له فيه نصيب

فأحب ان يدخره فى الاخرة فوزع حتى الشنط الفارغة

فلما انتهى من التوزيع اتى الى بكتاب 200 سؤال فى العقيدة

وقال لى لو رجعت الى ربي غدا فسوف اترك لك مصحفى فلا تنسانى

واقبل الليل بصمته الرهيب فاذا بشاب من شباب الاعدام يقطع هذا الصمت بكلمات ليست فى ذكر الله

بل هى من اللغو فقاطعه صاحبي

وقال له اتق الله يا فلان لم يبقي من العمر الى لحظات فاغتنمها بذكر الله عزوجل او الصلاة او بقراءة القران

فاستجاب له اخوه وقعد يذكر الله عزوجل وقضيا الليل فى القيام حتى اشرق الفجر ..

وعند الفجر كان احد الشاويشية يستمع الى الغناء

كان صوت الراديو عاليا

فقال له صاحبي
اطفىء الراديو واتق الله فان الناس فى صلاة الفجر فلا تشوش عليهم ولو بقراءة القران

وبعد لحظات من نهيه عن المنكر

سمعت خطوات كثيرة

فخفق لها قلبي لانى اعرف ان وراء هذه الخطوات امر عظيم

(ألا وهو الموت )…

الموت الذى كثيرا ما يزور هذا المكان الرهيب فانطلقت انظر على من سيكون الدور !!

وكانت المفاجأة انى رايتهم فى حجرة صاحبي وسمعته يقول سبحان الله سبحان الله بالراحة بالراحة لا اله الا الله

ثم خرج معهم ووجهه يتألق بهذا النور

الذى رايته عليه أمس فابتسم لى ابتسامة عريضة كابتسامة الغريق الذى ادركته النجاة ؛؛ ثم سلم علي وقال لى لا اله الا الله

فقلت له ابشر يا فلان فمن كان اخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة .

فأخذ يرددها ويسلم على اخوانه فى الاعدام

وهناك فى المكاتب صلى ركعتين سنة القتل

واخبرنى من كان معه انه كان يداوم على ذكر الله عزوجل ولا يكلم احدا

اما عند حجرة الاعدام فقد كان امره عجبا !!

لقد خطب فى اللجنة التى جاءت

لتنفيذ حكم الاعدام خطبة ذكرهم فيها بالله عزوجل

ولما انتهى منها قال لا اله الا الله عليها نحيا وعليها نموت وعليها نبعث ان شاء الله

ثم مضى بخطى ثابتة ثبات الجبال الى حبل المشنقة (( حبل الحياة )) وفى غضون لحظات

لا تتعدى دقيقتين كان قد نفذ حكم الاعدام

وكان من اعجب اثاره

ان احد السجناء كان قد حكم عليه بالاعدام قبل موته بيوم واحد

وكان يخشي الموت ويخافه خوفا شديدا

لانه شديد البعد عن الله

كانت حجرته تطل نافذتها على مسرح الاعدام مباشرة

فرأى صاحبي فى اخر لحظات عمره

ورأى فرحه وشوقه الى ربه

المنبعث من نور وجهه وسمع خطبته

فلما التقيت بهذا الشاب لاسأله عما رأى من حال اخيه

قال لى :

والله لقد كنت بالامس فى حالة نفسية سيئه للغاية ولما رأيت اخى هذا تمنيت الاعدام الان بشرط ان اكون مثله ..

فرحمه الله رحمة واسعة وأدخله جنة عالية قطوفها دانية …

error: