رواية كعبة الكافر
الفصل الثـامن
و عندما أنهي أحمد زيارته لنادين ،عاد إلي منزله …
، وفي أثناء تبديله لملابسه في غرفته ، سمع ياسر يتحدث في الغرفة الاّخري ..و كأنه يتكلم عبر الهاتف ..حيث قال جملة بثت الرعب في قلب أحمد .. فقال !
” أريد أن أتطهر في محرابك ، و لكن مُحرمة تلك الصلاة عليّ .. ”
فكان قلب أحمد يخفق بشدة بسبب ما سمعه ، فما عساها أن تكون تلك الصلاة المحرمة ..
، ثم قطع تفكير أحمد صوت ياسر و هو يفتح باب الشقة ليخرج ، فأصبح أحمد يحدث نفسه كالمجنون و يقول إلي أين اتجه ذلك الأحمق الاّن .. لكنه قرر أن يتبعه مهما كلفه الاّمر و بالفعل راّه يدخل نفس الشارع المظلم المعتاد .. و لكن أحمد تلك المرة كان مصمم أن يعرف إلي أين يؤدي ذلك المكان .. فأصبح يدور ورائه بدون أن يشعرياسر من شارع إلي شارع و من ممر ضيق طويل إلي ممر ضيق اّخر .. فأصبح كمن يحاول أن يجتاز متاهة أو يحل أحجية
و لأول مرة كاد احمد أن يجتاز ذاك الشارع الذي يمتاز بطوله ، غير أنه مظلم في الصباح كما المساء كما لو أن الشمس لا تشرق علي ذلك الشارع المهجور .. و لكنه توقف عن تتبع ياسر فجأة لأنه شعر بأن شيء يدور حوله بسرعة و قبل ان يصل إلي نهاية الشارع شعر بأنفاس شخص يتبعه ثم شعر بيد باردة علي كتفه
فالتفت أحمد و علي ضوء الهاتف الخافت استطاع ان يري رجل كبير في السن يرتدي ملابس قديمة مُتسخة و له لحية كثيفة .. ويبدو أنه مجذوب أو شحاذ
، فنظـر له أحمد بخوف و تمعُن .. و قال له ” من أنت ؟! ” ..
فقطاعه المجذوب قائلا .. ” مـاذا أتي بك هُنا يا بني في الليل .. ذلك المكان ليس ملكنا الاّن ، انهم يحيطون بنا في كل مكان .. اهرب حتي لا يضروك .. فذلك المكان مسكون اللهم احفظنا ”
، كان أحمد يسمع ذلك الكلام في خوف شديد ، فأنتفض جسده بمجرد ما قال له المجذوب ..” اهرب ” .. فقطع ذلك الطويل كُله و هو يركض ..و لم يهدأ إلا و هو في بيته ..
و في تلك الليلة حاولت نادين الاتصال بأحمد كثيراً ، و لكن خوفه حال دون أن يرد عليها .. ولم يرد أن يسئل ياسر حتي لا يشعر بأنه كان يتتبعه .. !
—————————————————————–
و في صباح اليوم التالي …عاود أحمد الاتصال بنادين ليعتذر منها عن ليلة أمس .. فشعرت نادين بأن صوته مهموم و مضطرب و ليس علي طبيعته فأخبرته أنها تريد أن تراه .. فوافق أحمد بدون تفكير فشعر أنه في تلك الحالة يريد أن يري شخصاً يحبه ليتقاسم معه خوفه و ألمه ..
و لكن أحمد اّثر أن يكون لقائهم تلك المرة في المطعم المشهور في الأسكندرية الذي يُدعي .. “ديليس” ، فعلي إحدي الطاولات خارج المطعم جلس أحمد و نادين علي طاولة تسمح لهم برؤية البحر ..
فاختلطت رائحة معجنات الفطور الشهية برائحة البحر ، مما زال عن أحمد بعض التوتر .. ثم قص لنادين ما حدث و ما قاله الشحاذ له ليلة أمس ..
، ثم عقد احمد حاجبيه بجدية و قال .. أشعر بأن جماعة -كعبة الكافر- هي من وضعت ذلك المجذوب في الطريق ليخيف أي شخص يحاول الإقتراب منهم ..
فضحكت نادين بشدة .. و قالت له ” لقد سافرت إلي لندن و مازالت نظرية المؤامرة المصرية تسكن بعقلك .. ” ، فلتحمد الله علي هداية أخيك مهما كانت الأسباب ..علي الأقل تستطيع أن تسافر الاّن و أنت مطمئن عليه و علي والدتك معه .. أما كلام الشحاذ فتخاريف رجل مسن .. تستطيع أن تقابل مثله في جميع أحياء مصر و لكن يبدو أن شوارع لندن جعلتك تنسي مصر ..
، كلام نادين جعل أحمد يرتاح من توتره قليلاً ، ثم قال لها لقد أخبرتك عندما زرتك المرة الاّخيرة بأن هناك فكرة خطرت علي بالي ..
قاطعته “نادين” قائلة .. نعم و لقد أخبرتني أنك ستبوح لي بها بعدما أكمل لك قصة ندي و ياسر ..
فقال لها أحمد أنه يفكر جدياً .. بأن تكون “ندي” من نصيب ياسر ..فتلك الفتاة غيرت به الكثير .. و يبدو أنها من بيت متدين .. فلما لا نقوم بخطبتها لياسر ..؟!
بدا علي “نادين” الشحـوب ” .. و اّثرت الصمت علي الرد علي كلام أحمد ..
فقال لها أحمد لا تخافي .. لن يؤثر ذلك علي خططنا معاً ..
فحاولت نادين أن تغير الموضوع ، و لكن أحمد صمم أن تكمل ما حدث مع ندي و سارة .. و مع إصرار أحمد الشديد اضطرت نادين أن تقص له كل ما تعرفه ..
، فقـالت: كان شيء ما بداخل “ندي” يبث لها بأن هناك شيء ما غامض بين ياسر و سارة .. علي الرغم من أن ياسر لم يكن يفعل شيء يجعلها تشك به تلك الفترة ..
و لكن “ندي” كانت تصر ، و تخبرني بأنها تعلم عندما تدخل بينهم امرأة جديدة ..
، فلا أنسي ذلك النهار الذي كنا نجلس فيه ثلاثتنا ..فطلب ياسر من ندي أن تمسك أغراضه حتي يذهب إلي المرحاض .. فاستغلت ندي الفرصة و عبثت بهاتفه حتي استطاعت فك الرمز السريّ ..
فوجدت علي هاتفه مكالمة من سـارة ، تجاوزت مُدتها النصف ساعة ..
ووجدت أيضاُ بأن الأيام التي سبقت ذلك اليوم ..بينهم اتصالات كثيرة تتجاوز مدتها النصف ساعة ايضاً.. فلا اّنسي كيف كانت تنظر “ندي” للهاتف بأعين تخرج ألسنة اللهب منها ..
و بمجرد أن عاد “ياسر” ألقت ندي الهاتف في وجهه ، و انصرفت نحو ملاعب الكلية باكية .. فأدرك ياسر سريعاً ما حدث .. فركض خلفها و جلس بجانبها في إحدي بقاع الملعب الهادئة .. و ظل يقسم بأغلظ الأيمان بأن سارة تتصل بيوسف علي هاتفه .. لأن هاتف يوسف كما تعرف في الصيانة ..
،و لا اّدري لما لم يكن ذلك الكلام يُقنع قلب ندي و لا حتي عقلها ، لكنها أبت إلا أن تصدق .. لأنها لا تُريد أن تخسر ياسر .. أو بمعني أدق تريد الأحتفاظ به لأطول فترة ممكنة ..
فطالما أخبرتني بأن .. علاقتها مع ياسر نوع من أنواع العلاقات المريضة ..
وواحدة من تلك العلاقات المُرهقة .. التي لم يقدر لهـا الشفاء ، و لا الموت الرحيم ..! ”
ففي ذلك اليوم أخبرتني بأنهـا لا تصدق أكاذيب “ياسر” ..لكنها تعطيه الفرصة حتي يُنهي كل ما بداخلها تجاهه بيده .. فقالت لي
” في كُل فرصة جديدة .. كنت أعطيها له !
كانت تنتقص مكانته من عيني .. و لكن و لامرة كان ينتقص حُبي له
فأصبح بعيني لا شيء و بقلبي كُل شيء ..
ذلك التناقض كان عقلي وحده ، يدفع ضريبته ..! ”
——————————————————————-
مَر يومان لم يتغير فيهم حال ياسر ، بل أصبح الوضع يزداد سوءاً بينهم ..
فكنت بينهم في إحدي شجارتهم التي لاتنتهي حين قالت ندي ..
” لطالما كانت أفعالك معي ، أفعال رجل لم ينضج بعد ..
فأنت تريدني ، و تريد غيري في اّن واحد ..
فلطالما اّشرت لي بكلامك بعد كُل شجار يحدث بيننا
بأن صديقك -يوسف- يترنح هُنا و هناك ..
و يعود بالاّخير لسارة ، لأنها الشرعية في حياته .. لأنه يحبها !
أكاد أن أقسم أنك لا تعي حتي ما هو ” الحُب”
و لكم اّلمتنـي الرسائل التي تريد أن تبثها لي من قصصك تلك عن يوسف ..
فطالما أطاح بكبريائي اعتقادك بأني أقبل أن أكون مثل -سارة-
فطالما تسكعت هي الاّخـري طيلة يومها ، لتعود ليوسف بالنهاية مُحملة باّثار كل الرجال ..
أيـُعقل أن تكون تلك القصة ، التي جاهدت كل ذلك من أجلهـا ؟!
فلما تريد أن تزرعـني بغير أرضي .. فلما تجازف أن تضع تفاحتك الوحيدة السليمة في سلة التفاح الفاسد ، لتفسد معهم ؟!
، أما أبيات الشعر الذي كتبته “ندي” ذلك النهار أشعلت ما بداخلي و مازالت محفورة بقلبي ..حيث قالت :
كيف استعنــت بحبــي لتشقيــني ؟!
و اسكــنتك قلـــبي فــجعلته حـزين
اّعدل أن اضعك بعيني فتعُمــيني ؟!
و تــرد احســاني بنـصل سكــين
—————————————————————–
وقام أحمد بقضاء اليوم بأكمله مع نادين ، و في المساء بعدما قام بتوصيلها ..
و في طريق العودة تجاهل احمد كلام الشحاذ و دخل ذلك الطريق غير مكترث بأشباحه الوهمية .. و لكنه عندما أوشك ان يصل لنهاية الشارع ..
راّي من بعيد ضوء خافت و سمع صوت مثل الترانيم .. يـــُـــتبع !