رواية كعبة الكافر

محتويات المقالة

الفصل التـاسع

وقام أحمد بقضاء اليوم بأكمله مع نادين ، و في المساء بعدما قام بتوصيلها .. ..
في طريق العودة تجاهل احمد كلام الشحاذ و دخل ذلك الطريق غير مكترث بأشباحه الوهمية .. و لكنه عندما أوشك ان يصل لنهاية الشارع ..
راّي من بعيد ضوء خافت و سمع صوت مثل الترانيم ..
فللوهلة الاولي و من شدة الخوف .. ظن أحمد أنه صوت غير اّدمي و لكن مع بعض التركيز .. وجد انه صوت خافت لـأخيه ياسر و هو يغني .. و لكن حال الظلام الدامس لتلك المنطقة دون ان يراه .. لكنه سمعه يغني و يقول ..

“في قاع ليليِ اّه كم مكثت …. ناديّــتكِ استنجدتكِ حتي يئست ”
حاول أحمد أن يتتبع مصدر الصوت .. لكنه شعر بشخص يقف أمامه و يهزه من ذراعه بقوة و يقول له ألم أخبرك ألا تأتي لهنا مرة اّخري في الليل ؟! ..
الشحاذ ذاته مرة اّخري..فشهق أحمد من الخوف عندما راّه .. ، فكان
فقال له الشحاذ : لما تسمع الكلام يا بُني .. أنا خائف عليك فذلك المكان مسكون .. و في الليل خاصة .. لا يكون ملكنا ..
ابتلع أحمد ريقه من شدة الخوف و لأول مرة يقرر أن يحاور ذلك المجذوب فقال له:
و لكني اّراك هُنا دائماً في الليل ، و لم يحدث لك أي مكروه ..!
فقطاعه الشحاذ قائلاً : أنا رجل كبير في السن يا بُني.. فليس مني خوف و لا عليّ ..كما أني أصبحت منهم و عليهم مثلما يقولون .. أنا حذرتك و لك حرية الإختيار ..
، فبمجـرد أن سمع أحمد ذلك الكلام قطع الطريق كله ركض مثل المرة السابقة ..و ما أن عاد للمنزل .. هاتف نادين و كان يلهث وصوته مُتقطع أعياه الخوف و الإجهاد .. ففزعت نادين بمجرد أن سمعت صوته .. و بمجرد أن سألته ما بك ؟!
، احتد صوته عليها لأول مرة ، و أخبرها أنه يشك بها فهي تعرف كل ما جري لياسر .. و تصر أن تخفي الأمر عنه .. فإن كانت لا تعرف لما يشحب وجهها عندما يسألها عن ياسر ، أو عندما يخبرها أنه يريد أن يأخذ خطوة جدية في حياة ياسر و يقوم بخطبة ندي له ..
فقاطعته نادين بنبرة يعتريها الغضب هي الاّخري .. و قالت له : كم سأخبرك أن تترك ياسر و شأنه فهو لم يعد الطفل الصغير الذي يجب أن تتبع أفعاله و ترشده لها .. فيكفي أن الله هداه ، لتسافر و انت مطمئن عليه .. ألم تفكر أبداً في اقتراب موعد السفر .. و تجهيزات عقد القران التي يجب أن نعد لها .. ؟!
و لكن أحمد قاطعها قائلاً .. لقد تتبعت ياسر ليس لأنه طفل ، بل لأني اّخشي عليه أن تكون جماعة متطرفة ضمته إليهم .. فاليوم تبعته مرة اّخري إلي نفس الشارع .. و تأكدت من شكوكي عندما أوقفني ذلك المجذوب مرة اّخري .. أنهم جماعة متطرفة و يضعون ذلك الرجل ليخيف كُل من يهوي الإقتراب منهم .. و حين ذهبت في الصباح لم أصل إلي شيء فجميعها طرق متشابهة .. و لن أسأل المارة عن مكان – كعبة الكافر – حتي يعتقد بعضهم أني مجنون و البعض الاّخر أني مًلحد .. فتلك الكلمة غير مفهومة ..!
، قالت نادين : أقسم لك أني لا أعرف ماذا يقصد ياسر بكعبة الكافر ، أما “ندي” فدع عنك ذلك الموضوع فندي لن تعود لياسر أبداً ..
، فسألها أحمد بفزع .. لما لن تعود أبداً ..؟!
فقالت له ” نادين ” بصوت مضطرب مُدعي .. بعد ما فعله بها ياسر .. صدقني لن تعود..
فود أحمد أن يعرف ما حدث بين ندي و ياسر ، و أن تكمل له نادين ما بدأته في قصتهم
————————————————————————-
فقالت .. عـاشت “ندي” أيام عصيبة في تلك الفترة بسبب طفولة “ياسر” ، ففي يوم ندي هي كل ما يريد و هي شغفه الذي يسعي لتحقيقه .. فيدللها كطفلته و يحنو عليها كوالدها .. وفي يوم اّخر يعود ياسر متعدد النزوات من قبره فتارة تشغله سارة و تارة تشغله غيرها .. و كُل هذا التمزق دفعت ثمنه ندي وحدها ..
فأصبحت كُل يوم تذبل عن اليوم الذي قبله .. فلطالما أخبرتني ..
” بأن حُبها لياسر هو شحوب جسدها و هالاتها السوداء التي غزت وجهها حديثاً و أمطارها الداخلية التي لم يقدر لها أن تجف بعد ..و حربها التي تضطر أن تخوضها كل يوم بمفردها ، حتي أصبحت أقدم جنودها و جميع اشلائها و أنقاضها الوحيدة الباقية .. ”
فلم يشفع كُل ذلك عند ياسر ليرحمها ، فلا هو يقطع بيده أوصال تلك العلاقة المميتة و لا هو يستمر معها بشروط العلاقات السليمة التي تستطيع أن تسير في نور دربها مطمئن .. فما كنت اّري علاقة ندي وياسر سوي في تلك الأبيات ..
كعصـفُورة في كــف طفــلِ يضمُـها .. تــذوق حياض المــوت والطفـل يلعـبُ
فلا الطـفل ذو عقـل فيــرق لحــالهـا .. ولا العصفــور مفرود الجناحين فيذهبُ
بل أصبح شديد التعليق علي مظهرها الجديد .. فكل يوم تعليق لاذع أصعب من الذي قبله ..
، حتي ذلك اليوم الذي قال لها مازحاً و هو يشير إلي هالاتها السوداء ..أمام خالد و يوسف .. ” يبدو أنكِ أخطأت ِ في وضع الكحل اليوم .. فهو يوضع داخل العين و ليس أسفلها حتي لا تبدين مثل غجريات البدو هكذا .. ”
فاضطرت ندي لأن تجاريهم و تضحك معهم ، لكنها أقسمت لي أنها لم تنم تلك الليلة..
فلم يتهاون ياسر عن إعدام ثقتها كل يوم علي منصات لسانه ..!
————————————————————————
، فكانت برائتها أثقل علي شخص مستهتر مثل ياسر من أن يتحملها .. فكان يتخبط بها من هُنا لهناك .. ويترنح من أحضان واحدة إلي اّخري .. و يعود مُحمل إليها بكل أنواع العطور و الخطايا .. فيعود لليد التي تصفح و القلب الذي يغفر .. فيقتله غفرانها و تحطمه برائتها و تشعل بواقي الضمير لديه ..
، فطالما ضحك مرة علي سذاجتها تلك ، ففي كل شيء صدقته و باركت أفعاله ..
و بكي مرات علي كذبه عليها ..
ففي كل مرة كان يخبرها بأنه سيجلس قليلاُ مع والدته حتي لا تشعر بالوحدة أو سيذهب للمسجد ليصلي كانت تفرح و تحمد الله علي هداه .. فينزل هو ليقابل يوسف التي طالما حذرته من الإفراط في التعامل معه ، ليتعاطي معه تلك السموم التي تغيّب عقله و تميت قلبه ..
فكان يعود في كل مرة لحجرته باكياً ..فيشعر أنه لا يستحقها .. فطهرها أكبر من خطيئته .. فتلك التي لم تعتد علي نصب الفخاخ للرجال و لم تقترف يوماً خطيئة غيره .. ما ذنبها ليخدعها ؟! .. و علي ماذا يحاسبها الله ليعاقبها به ؟! ..
، فلطالما تمني أن تثور عليه .. و أن تنهي قصتها التي تحمله أكبر من طاقته تلك وترحل .. و أن تُقسم عليه ألا تعود و تنفذ .. أن تخطيء هي الاّخري .. فتصبح مثله !
فلا تعد تؤذي حقارته طُهرهـا ، و لا تُدنس أكاذيبه برائتها ..
و لكم حاول أن يتصيد لها الاّخطـاء ليرحل عن عالمها .. فلا تعد تعبث بعقله و لا بجينات السوء التي تكوّن منها .. و لكنه كان يشتاق كل مساء لضحكاتها البريئة و هو يقص عليها شجار طريف بينه و بين خالد .. و لمواساتها إياه علي تجاهل والدته و اخوه .. حتي شجارها و غضبها الطفولي .. فلطالما أخبرها كم هي طفلة حين تغضب فتحمر وجنتيها و تصبح تضرب الأرض بقدميها الصغيرتين تلك .. فكل هذا كان يعود به مجروراً من قلبه .. !
———————————————————————-
فكم اعتقد بأن أكاذيبه تلك تنطلي عليها ، حتي ذلك اليوم الذي كانوا يجلسون فيه سوياً مع جمع كبير في نصف الكلية .. يلعبون شجاعة أم صراحة .. فكانت ندي تجلس علي يمينه و يوسف و خالد علي يساره .. و كان مشغول معهم كعادته و سحابة من دخان السجائر تلتف حول الجمع و تملؤ السماء فوقهم .. أما ندي فكان غير مكترث بها فتقبع بجانبه مثل الديكور و يقبع هو بداخلها مثل شريانها ..
بدأت إحدي الزميلات في شرح قوانين اللعبة للجميع ، فقالت ..
سنضع زجاجة المياه تلك في المنتصف .. و ما إن تشير إلي أحدهم سيطلب الطرف المقابل له إما أن يختار الصراحة فيسأله سؤال أو يختار الشجاعة فيطلب منه طلب ..
و ما إن توقفت الزجاجة عند ندي طلبت منها الفتاة في الجهة المقابلة أن تختار .. فاختارت ندي الشجاعة .. فطلبت منها الفتاة أن تغني أغنية من اختيارها بصوتها.. فاختارت “ندي” أغنية لنجاة و بدأت في الغناء .. فكان صوتها أشبه بموسيقي الخلفية التي تدور خلف أحاديثه هو و أصدقائه .. و لكن بمجرد ما بدأ صوتها يعلو و هي تشدو و تقول ..
” فلطـــالما بـاركت كذبك كُله ”
اقشعر بدنه ، فشعر أن ذلك الكلام رسالة له .. فابتلع الكلمات في صمت و ظل يراقب عينيها .. لعله يجد بهما شيء يقول أنها لا تقصده .. و لكن كُل نظرة كانت تتحدث إليه .. خاصة عندما اعتلت عينيها نظرة لوم و عتاب و بدأت تقول ..
، فرأيت أنك كنت لي قيداُ حرصت العمر ألا أكسره .. فكسرته
و رأيــت أنــك كنـــت لــي ذنــباً سألت الله ألا يغفره .. فغفرته
——————————————————————–
، مَرت أيام شبه هادئه بينهم بعد ذلك .. فياسر كان يحاول ألا يحمل خطايا أكثر من ذلك .. أما ندي فقد تعلمت اللامبالاة و كأنها اعتادت أفعال ياسر تلك ..
فلا اّنسي ذلك اليوم الذي تدخلت بينهم الحية السوداء -سارة- ، فانتهزت فرصة انصراف ياسر و أخبرت ندي و كأنها تمزح معها .. أنها تحسدها علي ياسـر ..
” فكم هو حنون .. و طيب القلب .. فهو يدعهما دائما ، ثم أخرجت محادثة بينهم علي موقع التواصل -واتساب- يخبرها فيها أنها عنده مثل ندي .. ثم انصرفت ضاحكة بعدما أشعلت الوسط بينهم ”
، فقامت ندي تبحث عنه بضراوة قطة أختطف أحدهم أبنائها ، و ما إن وجدته ظلت تبكي بشدة و الغضب يتساقط من أعينها مع تلك الدموع .. أما هو فظل يحلف و يغلظ الأيمان أنه كان يقصد أنها مثل اخته ، و هل من المعقول أن ينظر لصديقة صديقه ؟!
فقالت له ندي ..
” كنت لك أرضاً
لم تزرعني بكلتا يديك بل دعستني بقدميك ..
، لم تهتم أن ترويني يوماً ، بل جعلتني استجدي كُل قطرات الندي و المطر .. ”
.. فحاولت ندي أن تصدق أكاديب ياسر تلك كعادتها .. فكانت تخشي دائماً من أنه يملك القوة ليغيب في أي وقت .. بينما هي تضطر لأن تستجدي وجوده بجانبها ..!
و لكن مازاد الأمر حدة بينهم .. ذلك اليوم الذي كانت تجلس فيه ندي و تعبث بأغراض ياسر كعادتها .. فوجدت في محفظته .. يـــُــــتبع !

 

error: