رواية كعبة الكافر
الفـصل السـادس
و فجأة فتح ياسر باب غرفته و خرج دون أن ينتبه لأحمد حتي و غادر المنزل ،وحين دخل أحمد غرفة ياسر وجد قميص لياسر ملوث بدماء غزيرة مُـلقي علي الأرض..
فأصيب أحمد بحالة من الذعر ،فأصبح لا يفهم ما يحدث حوله .. و لا يدري أيضا ماذا يفعل ..؟!
فهل ينتظر شقيقه ياسر و يواجهه بما وجد في غرفته ، ام يظل كما هو يتتبع خطاه حتي يكشف الله له الحقيقة ..
، و لكن كل ما كان يعرفه في تلك اللحظة أن قلبه من شدة الخوف يستطيع أن يخترق القفص الصدري و يغادر مكانه ، و أن وجهه اصبح بلون الدماء التي علي القميص كما أن العرق غزا وجهه و رقبته ..
ثم رأي أحمد أن لا سبيل سوي المواجهة تلك المرة ، فالأمر أصبح خارجاً عن السيطرة ..و بينما احمد مستغرق في تفكيره ..
، فتح ياسر باب الشقة و دخل ليجد احمد في غرفته ..
فكان ياسر ينظر للقميص في يد أحمد بفزع و ارتباك .. ثم قال .. أحمد ، ماذا تفعل في غرفتي .. ؟
فقاطعه احمد قائلا : هل المهم الاّن ماذا أفعل في غرفتك ؟! ، أم المهم ما قصتك أنت ؟! و ما قصة ذلك القميص يا ياسـر .. أنا أخوك الوحيد يا ياسر لو قام أحد بتوريطك في شيء أخبرني و أقسم لك أني سأقف معك و سأساندك ..؟!
فبدا علي ياسر أنه يسترجع شيئاُ برأسه ثم صرخ بأحمد : دعوني و شأني ماذا تريدون مني بعد ؟! .. أكون شخصاُ سيئاُ لا يعجبكم .. أصبح شخصاُ جيداُ لا يرضيكم .. لما لا تشعرون بي أبداً ، متي ستشعرون بي عندما أموت؟! .. إذا كان هذا ما يرضيكم .. فأنا أموت بالبطيء كُل ليلة .. ثم اصبح يبكي بحرقة ..
، و لم يستطع أحمد فعل شئ لتهدئته ، فتركه و اتجه لغرفته .. لتعذبه الوساوس و الشك طيلة الليل ..!
——————————————————————–
و في اليوم التالي في الصباح ..
دلف ياسر إلي غرفة أحمد ليعتذر منه فقال : أنا اسف يا أحمد.. لم يكن ينبغي أن أقول ما قلته لك ليلة أمس .. و لكن أعذرني فأنا تلك الفترة لست بمزاج جيد ..
احمد: انا لست حزيناُ منك يا ياسر بل عليك ، أنا كُل ما أردته فقط هو الإطمئنان عليك .. و أن أعرف ما قصة تلك الدماء علي القميص .. ؟! ، لأن ما رأيته ليلة أمس أرعبني ..
قاطعه ياسر بضحكة تنم علي أنه يحاول أن يخفي شيئاُ ثم قال .. تلك حادثة قديمة ، فقد كنت وقعت من فوق دراجة يوسف النارية .. و تلخطت ثيابي بالدماء و رفضت أمي غسله وقتها ، لأننا تشاجرنا سوياً .. ثم نسيت أمره حتي فسد القميص و كنت أخرجه ليلة أمس لأتخلص منه .. !
و قد حاول أحمد ان يصدقه و لكن هيهات ..
———————————————————————
و في المسـاء استعد أحمد ليذهب لزيارة ” نادين ” في منزلها ، فمنذ أن عاد و انشغل بمشاكل أخيه .. لم يود أهلها سوي مرة واحدة ..
و في منزل “نادين ” جلس ياسر قليلاُ من أهلها ، يتبادلون أطراف الحديث حول تجهيزات الشقة و اقتراب موعد عقد القران .. ثم انفرد أحمد بنادين في شرفة منزلها ..
فاعتذر منها علي انشغاله عنها بسبب مواضيع ياسر التي لا تنتهي ، و بدأ يسألها عن أحوالها و يتحدثوا عن خططهم بعد عقد القران ..
، ثم قال لنادين أنه خطرت بباله فكرة .. و لكنه يريد أن يعرف أولاً ماذا حدث بعدما أعترف ياسر بحبه لندي ..فقالت نادين ..
” لقد مَرت بعد ذلك علي ندي أيام تتخللها السعادة في كل لحظة .. لدرجة أنها كانت تشعر بأنها لا تريد أي شيء اّخر من الحياة بعد .. فكان يومها ينحصر في شيء واحد فقط يُدعي – ياسر – فكانت تجلس له حتي أمام المسجد لحين أن ينهي صلاته ..أعتادا علي كل شيئاُ معاُ .. فلا صباح في تلك الجامعة كان يخلو منهما معاُ .. فكانت تشعر بأن ياسر يبث نفسه لها عبر الوريد ، فلطالما سمعتها تقول له – أنت طايف بالوريد –
، و لطالما حذرتها أيضاُ من خطورة ما تفعله علي نفسها ، فكنت أطلب منها دائما أن تعتزل ياسر قليلاُ و تأتي لتجلس معنا ..
و ألا يكون هو وحده فقط كوكبها التي تدور حوله المجرة بأكملها .. فما أخطر أن تبث لنفسك شيئاُ لا قبل لك علي انتزاعه .. فإنتزاع السهم أكثر ألمـاً من الإصابة به !
،و لا اّدري لما كنت اّخشي عليها من ياسر ، فكنت دائما اّراهما مختلفين عن بعضهما ..
فندي صبـاحية كعباد الشمس تميل للنور و تخفت دونه ، و ياسر ظلامي كأشهب السماء .. يجذبهما ببعضهما الإختلاف .. كأقطاب مغناطيس مختلفة تتجاذب .. و لكن صباح و مساء أتراهما يلتقيان أبداُ ..؟!
.. و حاولت ندي أن تخفف مقابلاتها بياسـر ، لكي ترضيني ..!
فلطالمـا حاولت أن تفعل ذلك مراراً و تكراراُ ،ولكن بدون جدوي فلم تكن تستطيع أن تقتلعه منها مهما حاولت .. و لطالما ردت علي مخاوفي المستمرة بشأن علاقتها بياسر بأن ..
لا ورد بدون أرض ..
و لا خير في أرض لا تنجب ورداُ
كلنا نحتاج بعض لنكتمل ..
حمقـاء لم تكن تعلم بأن تلك الحياة ليست حديقة .. و ليست جنة !
، فكانت بنظري ساذجة للغاية .. ترتضي بأقل القليل منه ، تقبل منه بتضحيات لا ترتقي أن تكون تضحيات حتي .. فطالما كانت تغريها مواقف بسيطة منه و تعتبرها قربان حبه لها .. كتلك المرة التي أخبرتني ..
بأن رئيس القسم طردها لأنها كانت تتكلم مع ياسر بالمحاضرة ، و كانت تلك أول مرة تُطرد بحياتها .. فبينما هي تغادر قاعة المحاضرة بخجل .. لاحظت أن جميع من بالغرفة يضحك ..مما زاد من خجلها ..!
، و حينما سألت صديقتها بعد المحاضرة عن سبب ضحكهم عليها ، قالت لها أنهم كانوا يضحكون علي ياسر .. الذي تبعها و كان يريد أن يترك المحاضرة ثأراُ لها ..
، فطالما طلبت منها بأن تكون متطلبة أكثر من ذلك ، ألا تجعل مهر قلبها بعض التضحيات الواهية .. حتي لا يقترب من محيطها سوي من يقدرها فعلاً ..
فالرجل حين يحب .. يجب أن يعلم أن الحُب له ميثاق ..و لا يُنال عرشه ببعض التضحيات البسيطة .. فلا يكفي أن يضحي بمحاضرة من أجلك ..!
، فالرجال إذا أحبوا قاموا بدخول البيوت من أبوابها .. حارقين خلفهم جميع المراكب .. عاملين بقول الله تعالي “لا تواعدهن سراً ” ..
، و كانت “ندي” تعلم ذلك الكلام أكثر مني ، فطالما بكت لله كل ليلة معيصتها بياسر..
و لكنها لعنة الحب .. فالحب ليس أعمي فقط بل في بعض الاّحيان أصم أيضاً ..!
——————————————————————
، مَرت أيامهم السعيدة سريعاً .. ثم بدأ الملل يتسلل إلي ياسر ..
فقـد مَل استقامته تلك سريعاً أيضا .. و بدأ يعود لأصدقائه القدامي بالتدريج ..
، و لطالما أعترضت “ندي” علي ذلك ، و كانت تلك أول شرارة خلاف تنطلق بينهم ..
و لكن ياسر كان يقنعها بأنهم عِشرة عمره ، و لا بأس من اجتماعه بهم من حين لاّخر و إنهم من المستحيل أن يؤثروا عليه ..!
، ثم بعد ذلك أصبح ياسر يُقلل الوقت الذي يقضيه معها .. حتي أصبحت لا تراه سوي مصادفة .. مما جعلها دائماً في حالة شك و قلق ..
، فطالما تشاجرت مع ياسر بسبب ذلك الشأن ، و كان دائما يتهمها بأنها -دراما كوين – و أنه من حقه أن يقضي بعض الوقت مع اصدقائه ..!
و في إحدي شجارتهما تدخلت لأن صوتهم بدأ يعلو و بدأ يلفت أنظار من حولنا في الجامعة .. فلا اّنسي ما قالته ندي لياسر ذلك اليوم أمامي .. فقالت :
” لطالما خشيت من قصتنا تلك ..
فأنا أدرك أني أحبك في زمن قاسِ متهالك ..بقلب خُلق ليحلق في عالم خيالي
لا يتلائم مع ازدحام المرور و شجار الموظفين وفساد تلك البلاد وحرائق الغابات و الإحتباس الحراري..
ففي ذلك العالم من أين اّتي بموطن يسع حُبي لك ..
و من أين تأتي لي بحصان أبيض يطير لتحملني فوقه ..؟!
فلطالما أحببتك بقلب ، قادم من عالم الروايات ..
ولكني لم يكن لي مطالب خيالية كأبطالها ..!
، فلا أنا ببلقيس سليمان لتأتي لي بعرش ، و لا أريد قبلة الحياة كالجميلة النائمة
و لست بسيندريلا ..لأطلب منك أن تلف العالم من أجلي و بيدك حذاء ..
فكل ما أردته فقط أن اّراك ، أن تتقاطع دروبك معي يوماً
أكان ذلك مطلب صعب ، لشخص أحبك بصدق و شغف ؟!
فلما يا تري روما التي يقبع بها قلبك .. لا تسوقني دروبي إليها أبداً .. ؟! ”
——————————————————————–
و حاول ياسر فيما بعد أن يتدارك الموقف .. ببعض المبررات و الاعذار الكاذبة ..
، فكانت أعين ندي تستجدي الصدق بأعين ياسر .. و لكن دون جدوي !
.. لكنها صدقت لأنها أرادت أن تصدق ..
ففي ذلك اليوم عاتبتها ، فلا أصدق أن تلك ندي التي أعرفها ..ندي القوية التي لا تسمح لأحد أن يبتزها عاطفيا .. كيف أصبحت لعبة بين يدي ياسر ..؟!
لكنها قالت لي ..
” يغريني وجوده حتي لو كان مفتعلاً و كاذباُ ..
يغريني وجوده ، حتي لو كان عابراً..
لكنه يؤذيني .. يؤذيني و بشدة ..!
فلطالما كان يعلم بشأن كرهي لدخول الليـل .. فأنا اّخشي الظلام ..
لكنه لا يعلم أني أخشاه أكثر من الظلام ..
اّخشي من اعتيادي عليه .. ومحاربتي الظلام و الخوف به ..
فلطالما خشيت أن يتركني وحدي ، فيبتلعني الظلام ثأراً من كل الليالي التي حاربته فيها !
، و لطالما وعدني بأن ذات مساء ستجمعنا شرفة واحدة في ذلك الليل ..
و سنحارب بها الظلام سوياُ بإمتزاج ضحكاتها .. و احتساءنا أكواب الشاي معاً
و لكن مَرت ليالي كثيرة ، و لم تأت ِ شرفتنا تلك ..و أخشي ألا تأتي أبداً ..!
————————————————————–
، أما بعد ذلك فقد حدث .. يـــُــــتبع !