رواية كعبة الكافر
الفصل الـرابع
انتهت الجلسة بين أحمد و نادين سريعاً ، كما ينتهي كُل شيء جميل في تلك الحياة سريعاُ
، فقام أحمد بتوَصل نادين لمنزلها و بينما هو في الطريق انصدم بمشهد افزعه ..
فقد شاهد ياسر يدخل ذلك الشارع المظلم مرة اّخري .. فكأن ظلام ذلك الشارع يبتلعه أمام أعين أخيه ..
و بالطبع حالت ظلمة ذلك الشارع دون أن يعرف احمد أين ذهب ياسر
أو دون أن يفسر هل هو يذهب لكعبة الكافر أم لا ؟! .. و ما عساها تكون تلك الكعبة ؟!
و عندما عاد ياسر إلي المنزل .. دخل غرفته ليصلي قيام الليل
فاستغل أحمد إنشغال ياسر بالعبادة وحاول الوصول إلي هاتفه ليستطيع تفسير أي شيء ولحسن الحظ أن كلمة السر كانت سهلة ، فكما توقع أحمد كانت كلمة السر تاريخ ميلاد ياسر .. و عندما فتح الهاتف لم يجد أي شيء مهم غير بعض الصور لياسر يجلس في مكان غريب .. و الصورة مبهمة لأنها تم التقاطها في الظلام ..فأصبح أحمد يقلب في الصور كالمجنون حتي وجد صور اّخري لياسر في نفس المكان و هو يقوم بإشعال بعض الشمع ووضعه علي الأرض .. مما زاد من خوف أحمد ..
، و عندما شعر بأن ياسر يُنهي صلاته ..وضع الهاتف في مكانه و غادر الغرفة ..
فكان أحمد أمام خيارين لا ثالث لهما ، فالخيار الأول هو أن يسأل ياسر عن موضوع كعبة الكافر و لا ضمان وقتها أن ياسر سيقول الحقيقة ..
أما الخيار الثاني فهو أن يستمر في تتبعه دون أن يشعر و يتقرب منه فلعل الله يفتح له قلبه و يخبره بالحقيقة ..
فكان أحمد يريد أن يطمئن علي ياسر قبل إنشغاله بعقد قرانه و عودته مرة اّخري إلي لندن ..
ثم قرر أحمد أن التقرب من ياسر هو الحل الأمثل .. فدلف إلي غرفته و جلس بجانبه علي الأريكه و بدأ يسأله عن أخباره .. فكان ياسر يؤكد أنه بخير رغم أن عيناه تبوح بعكس ذلك ..
،و حاول أحمد التخفيف عن ياسر فطلب منه أن يفعل أحب شيء لقلبه ، فطلب منه أن يغني .. فهو لم يسمع غنائه مُنذ زمن طويل ..
فاستجاب له ياسر علي الفور .. لأن الغناء كان أكثر ما يحبه حقاً .. و لكن كان بصوته شيء غريب تلك المرة ، فصوته به نبرة شجن دخيلة عليه .. فبدء صوته يجوب الغرفة و يكسر ظلمة الليل طويل السكون بتلك الكلمات ..
” قولـــوا لهـا إننــي لـازلت اهــواهـا ”
” مهما يـطول النوي لا أنسي ذكراها”
“هي التــي علمــتني كــيف أعشقهـا ”
“هي التي ســـقتـــني شــهد ريــــاها ”
شعر أحمد بأن الكلمات تمس قلبه ، فضاقت عيناه و كأنها تواسي ياسر في حزنه .. و تعجب أحمد فهو لم يري أخاه يحب بتلك الطريقة من قبل .. كما أنه أول مرة يسمعه يغني باللغة العربية ..
و حين سأله عن سر غنائه باللغة العربية تلك المرة ..
قال له ياسر .. أن الفترة التي بدأ فيها الغناء باللغة العربية .. كانت من أزهي عصوره .. و كان يتمني ألا تنتهي و لا ينقضي عهدها أبداً
و في اليوم التالي كان أحمد علي موعد مع نادين .. لزيارة بعض محلات الاّثاث للبدء في تجهيزات بيتهم ..
و أثناء تلك الجولة بدأ أحمد في سرد أحوال ياسر لها ، و قامت هي أيضـاً بإكمال قصة ياسر مع ندي له .. فقالت :
كما قلت لك سابقاُ .. بعد خروج ياسر من المشفي أصبح غريباً للغاية مع ندي .. فتارة يدنيها منه فيعاملها معاملة حسنة .. و تارة يقصيها لتحل محلها ” سارة ” ..
، و لا اّدري كيف تُوضع ندي في طرف مقارنة مع سارة .. فكيف يستوي ملاك و شيطان في نظر انسان ، إن لم يكن ذلك الشخص أعمي بصيرة .. ؟!
و يبدو أن ” سارة ” أدركت أن شيء ما بداخل ياسر بدأ يتحرك نحو ندي .. فأصبحت لا تفوت فرصة لمضايقتها ..
.. كتلك المرة التي كنا نجلس أنا و ندي و ياسر .. فكنت أنا اهاتفك و ندي و ياسر يقومان بكتابة تقرير تم تكليفهم به في الكلية .. حين مرت سارة و لم يروقها اعتماد ياسر علي ندي بهذا الشكل .. كما أن سارة ليس لديها ما يدعمها أمام ندي في تلك النقطة خاصة .. فسارة كياسر رسبت أكثر من مرة ، أما ندي فكانت من الأوائل علي دفعتها ..
.. نظرت سارة لندي نظرة ليست مطمئنة علي الإطلاق .. كأنها تشمئز منها ثم اقتربت منها في عطف مفتعل و قالت .. ” ندي دعيني اّتي معك عند أختيار ملابسك لأختار لكي ما هو أفضل ”
، فكانت سارة وقحة جداً في جملتها تلك ، فكنت أتمني لو أني استطيع أن اصفعها و لكن ندي قالت لها بهدوء “يعجبني ما ارتديه شكراً لكي” .. و لا اّدري كيف تتمالك نفسها أمام مواقف سارة تلك فكلنا نعلم أن هدفها الأساسي إثارة حنق ندي و غضبها ..
و حين سألت ندي عن سر تماسكها أمام سارة قالت ..
” كل انسان يحب أن يتباهي بما يملك فتلك طبيعة بشرية ، فمن لا يجد سوي ثيابه ليتباهي بها يكون أرخص مما يرتديه حتي ..! ”
، و لكنني أتذكر أن ندي تشاجرت مع ياسر في مرة بسبب سارة ، فقالت له أنت تدرك أن سارة لا تفوت الفرصة لتضايقني لما أنت مصر علي مرافقتها يجب أن تحترم شعوري .. فرد عليها ياسر بوقاحة بأن المرء لا يحق له أن يتدخل في أصدقاء اصدقائه ..!
، فتركته غاضبة و انصرفت ..
و في الأيام التي تلت تلك ، اختفي ياسر تماماُ عن ندي .. فأصبح يتغيب عن الجامعة ، حتي إنه عندما عاد قدم طلب بتغيير مواعيد -السكاشن- المشتركة مع ندي .. و عندما وجد طالب في مجموعة اّخري وافق علي عملية التبديل .. ابتعد تماماُ عنها !
،و لم يكن هنالك تفسير منطقي لما يقوم به ياسر .. فكان يدفعها للجنون بتصرفاته تلك ..حتي أنه لا يبدو سعيداُ مع سارة تلك ..ولكن لا أحد منا كان يعلم ماذا يريد ..!
و قالت لي ندي يومها أن ياسر ..
لا يدرك كم هو مُميت حينما ..
يتأرجح بي من أقصي اليمين ثم يقذفني بقسوة إلي اقصي اليسار ..
ففي يوم أنا قمره و سراجه المنير ، لا تهتدي دروبه سوي بي ..
و يوم اّخر أنا نجم خافت لا أستحق أن يـُلتفت لي .. و كأني أوُشك أن ينتهي اّجلي وألقي حتفي في مجرته الكونية ..
ففي صباح أنا أملـيء كل أوردة قلبه و بين كُل ثنايا معطفه .. فيستطيع أن يأتيني سعياً علي وجهه ليراني ..
وفي صباح اّخر هو أكسل من أن يرد علي سلامي حتي ..
فلا اّراه سوي فيما تغني به كاظم حين قال ..
يا طعم الثلج و طعم النار
و نكـهـة شـكـي ويقيــنـي
،و مرت بعض الأيام و لم يزد مرور الأيام الوضع إلا سوءاً ..
فقد لاحظ كل من في الكلية سوء حالة ” ندي ” النفسية .. فكانت تجلس معي في نفس المكان التي اعتادت أن تجلس فيه مع ياسر لتتذكر أيامها السعيدة معه ..
فكانت تتذكر كيف كان ياسر لطيف جداُ معها حتي عهد قريب ..
فقصت لي أنه كان يجلس في مرة ليدخن سيجارة كعادته .. حين اقتربت منه سارة و حاولت أن تجذب منه السيجارة لترميها لكنه رفض بشدة و نهرها ، ثم نظر لي و قال لما لا تحاولين تلك المرة أن تقصي السجائر عني ، فقلت له أنه رفض أن يعطيها لسارة .. فنظر لي ببراءة و قال فلتجربي أنت ِ فطلبت منه أن يرمي السيجارة .. فرمي أكراماً لي العلبة بأكملها ..
،و حاولت فيما بعد التخفيف عنها فكنت أطلب منها أن نخرج بعد الكلية معاً في أي مكان تختاره .. و حين وافقت لم تـأخذني إلي مقهي غالِ أو سينما كما اعتقدت ..
بل دلفت بي إلي شارع من أقدم شوارع اسكندرية .. و حين راّت في عيني علامات الإستفهام .. قالت لي أنها تقع في غرام ذلك الشارع لأنه يُذكرها بياسر .. فقالت لي :
مـازلت أهوي ذلك الشارع العتيـق ..
، فهـو يـُذكرني بقدم علـاقتي بياسر
فطالمـا شعرت إنه كان هُنـا .. مزروع بداخل شرياني
من ألف عام مضت .. و ماكث لألف اّخري ..
بل أنا خُلقت به .. كمرض لا شفاء له !
أو كعيب خُلقي ميؤوس منه ..
فذلك الشارع الذي طالما أحتضن بناياته العشوائية .. كما يحتضن بناياته الفارهة جنباً إلي جنب ..
يذكرني بمهد قصتنا و جمال احتوائها ..
عندما كانت كل طرقي تؤدي إليه .. و تتقاطع كُل طرقه معي ..
تُري لماذا لم نعد نلتقــي ؟!
أتدرك ِ المثل الذي يقول ” كل الطرق تؤدي إلي روما ”
أتدرك ِ كم هو غبي قائل هذا المثل ؟! أو تراه لا يعلم بشأن قصتي ..
” فروما التي يُريدها قلبي .. لا تؤدي طرقي إليها أبداً “
و في اليوم التالي حدث ما غير مسار كل شيء .. فلعب القدر لعبته ليثبت لياسر أنه كاذب ..
فبينما يجلس ياسر مع سارة كعادته .. يــُــتبع !