رواية كعبة الكافر
الفصل الثاني
ثم فتح ياسر باب الغرفه و توجه خارج المنزل و قرر احمد أن يتبعه
ليفهم ماذا يحدث .. و يفهم ماذا تعني كعبة الكافر ..
و تتبعه احمد حتي دخل ياسر أحد الشوارع المظلمة و في الظلام حدث ما لم يتوقعه أحمد فقد شاهد ياسر يندثر و يختفي في الظلام أمام عينيه و كأنه توحد مع ظلمة الليل فلم يعد أحد يستطع التفريق بينهم .. فكانت تلك الشوارع ذات ممرات طويلة جداً و ضيقة للغاية .. و كانت جميعها متشابهة .. فأصبح كأنه يدور في متاهة لا سبيل له للخروج منها .. !
ثم شعر بخطوات ثقيلة تتبعه ببطيء ، و في ذلك الظلام لم يستطع أن يفرق هل كان ذلك من وحي خياله من فرط الخوف أم كان ذلك حقيقياً .. فهو لم يكن يدري أنه سيعود من لندن لمواجهة أشباح اخيه ياسر ..!
فلمـا يأس أن يعثر علي ياسر في تلك المنطقة شديدة الظلمة عاد أدراجه إلي المنزل مُصفر اليدين دون أن يدرك إلي اين اتجه ياسر أو دون أن يفسر ما هي كعبة الكافر؟! ..
و في المنزل خطرت علي باله ” نادين ” .. فشعر أنه يبحث في الطريق الخاطيء .. فقرر أن يتصل بنادين ليقص لها ما يحدث و لتخبره أكثر عن “ندي” فهو يشعر أن مفتاح ذلك اللغز معها ..
فهاتفها أحمد و بعد أن اطمئن عليها و قص لها ما جري في يومه لتشاركه همه ولتخفف عنه حمله قال ..
أحمد : احكيلي اكتر عن ندي ، عاوز اعرف كل حاجة حصلت في حياة ياسر و أنا مسافر
نادين : أحمد انت مكبر موضوع ياسر جداً … أخوك و ربنا هداه مفروض تفرح مهما كان سبب الهداية .. أما سبب الزعل إللي هو فيه فأكيد لأنه متخانق مع ندي زي ما انت فهمتني ..
أحمد: لازم افهم موضوع ” كعبة الكافر ” خايف يكون ياسر أتلم علي شوية شباب من إللي أفكارهم متطرفة و يكونوا مكونين جماعة و تكون هي ديه “كعبة الكافر” ، لأن بين التدين و التطرف شعرة صغيرة اتمني يكون ياسر مقطعهاش ..
نادين: أنا زي ما قولتلك أكيد ندي هي اللي تعرف ياسر حصل معاه إيه ..و طالما أنت حابب تعرف أكتر أنا هكملك قصتهم ..
لقد كانت ندي تلك الفتاة البريئة دائمة الطفولة تعامل الناس بقلب صادق مع الله ،و لكنها لم تُكن تستطيع أن تخفي حُبها لياسر فكانت دائمة المراقبة له ..فالحب مثل مجالس السيدات لا يصان فيه سر ..
فكانت ” ندي ” دائمة التقرب منه مُتعللة انها تساعده في دراستة ليجتاز تلك السنة بدون اخفاق .. فكان كُلما نازعها عقلها فيه لتتركه .. خاض قلبها ضدها حرباُ شرسة .. و كنت أشعر بها فأحياناً كنت اعطيها عُذراُ لكل ما تفعله ..
فكان الـأمر أشبه بالحرب ، كان كفوضي المشاعر و اضطراب الحواس ”
لأنه كان بجمال يوسف و حزن أبيه و فساد و قسوة أخوته ”
و لم يكن ياسر ذاك الشاب متعدد العلاقات، صعباً عليه اّنذاك أن يدرك ان ندي تعشقه و تهيم به ..
فكانت كل تصرفات ياسر وقتها تدل علي أنه يريد ان يرتبط بندي و يوقعها في فخه كغيرها من الفتيات .. و لم يكن ذلك بصعب علي ياسر خاصة مع حب “ندي” الكبير له ..ففي فترة قصيرة اصبح ياسر و ندي اصدقاء مقربين
، فكان ياسر يري الفتيات كلهن رخيصات ووظيفتهن إكمال الشكل الاجتماعي كالساعة و الهاتف ..
و لكن ” ندي ” وحدها كانت قادرة علي اثبات أنه ..
” إذا خالط ملاك في يوم أحداً من بني شيطان ، سينال الشيطان شيئاً من نوره حتي لو كلف ذلك الملاك حرق جناحيه .. ”
، ففي إحدي المرات كان ياسر يجلس وحيداً فرأيت ندي تدنو منه و تحنو عليه بقلب أم لا يعرف سوي الغفران .. و سألته
ندي :ياسر أنت فطرت ؟
فرد عليها ياسر بنظرة بين الألم والحزن قائلاً .. هو في حد في البيت ده بيسأل فيا؟
ندي:طب انا عملت حسابك في الفطار .. عشان يبقي بينا عيش و ملح
ثم رفعت رأسها نحوه في نظرة قلب يخشي الخذلان و قالت .. أتدرك أن حُرمة العيش و الملح من حُرمة الدار .. و إللي يخونهم عقابه كبير عند ربنا
ولأول مرة كنت اّري ياسر يجلس في تلك السكينة و اّري في عينيه براءة دخيلة عليهما ..
، فكانت ” ندي ” تسير إثر خطاه لتطمئن عليه و تراقب ما يفعله ، فكانت كُلما وجدت غيمة من دخان السجائر .. تُدرك أن بلا شك ياسر يقبع بداخلها .. فتذهب و تجذب السجارة منه و ترميها و تقول بمرح .. ” مش بخور ده يبابا عشان تلف حوالينا بيه ،كفاية عميتنا ” ..
، و استمر الوضع هكذا .. ففي كل يوم تقترب فيه ندي من ياسر أكثر ..فأعتاد كل من في الجامعة وجودهما سوياً .. حتي أنا ألفت العلاقة بينهم .. فلا أنسي ذكري ذلك اليوم .. الذي طلب ياسر من ندي أن تُمسك عنه بعض الأغراض ، حتي يتمكن من الذهاب لغسل وجهه .. و ماكان من ندي إلا أن انتهزت الفرصة السانحة و ألقت بعلبة السجائر بمجرد انصراف ياسر .. و حين عاد !
ياسر : فين علبة السجاير.؟
نظرت له ” ندي ” نظرة بريئة لان لها قلبه القاسي وقالت .. فين ؟!
ياسر: مش أنا كنت سايبها معاكي راحت فين ؟! .. ثم نظر ياسر في الارض ليجد العلبة تحت قدميها
ندي – و مازلت تلك البراءة و النظرة الطفوليه تعتريها – أوعي تفتكر أني رمتها و لا حاجة … هي وقعت لوحدها
ياسر: هي وقعت لوحدها ؟!يعني متاّمرة و هبلة كمان؟ … عاوزة ترمي العلبة ارميها بعيد .. إنما ترميها تحت رجلك كده مش هشوفها يعني ؟!
، ثم انفجرا ضاحكين معاً .. و كأنهما روح واحدة منشطرة لجزئين ، لا يتألف جزء إلا بإكتمال نصفه الاّخر ..
،و لكني لا اّخفي عليك أنه كان بداخلي شعور غريب بالخوف علي ” ندي ” فكنت أخشي أن يكون ياسر يحاول أن يصيد تلك اليمامة البريئة و الوحيدة التي مدت له يد العون .. كما يفعل مع غيرها ..
، حتي ذلك اليوم الذي كانت “ندي” تجلس فيه في أحدي ملاعب الكلية الفسيحة .. فكانت تستمتع بالهدوء من حولها بعيداً عن صخب الكلية .. و كانت تردد كلمات أنشودة جميلة تُحبها .. فبدأ صوتها الجميل يجوب المكان بتلك الكلمات ..
فــديتك روحـــي يـا روح الفــؤاد
هـــواك مــلاكـي برغــــم البــعاد
فأنـــت يــا شـــــطري بكـل مداد
، حين لاحظت أن ياسر يقف خلف أحد الأشجار .. ليسترق النظر إليها فعيناه تارة تدور حولها و هي تتحرك بطُهر طفل يخطو في الحياة أول خطاه .. و تارة تدمع عيناه متأثرة بصوتها و عذوبة ما تغنيه .. حينها فقط علمت أن سهام الفخ الذي كان يحاول أن يصطاد به “ندي” أصابته ..!
، فكان أحمد يصغي لنادين بكل حواسه و لكن قاطعه وصول ” ياسر ” المنزل ، فاعتذر من نادين و طلب أن ينهي المكالمة ليطمئن علي أخيه ..
و لكنه اّثر ألا يتطفل علي ياسر و يسئلة أين كان؟
و لكن خوفه علي ياسر كان يحركه ، ليجد أي معلومة تجعله يطمئن عليه .. فانتهز الفرصة التي انشغل فيها ياسر ودخل الغرفة ليفتش بين أغراضه عن أي شيء يهدأ من روعه.. فوجد بين أغراضه دفتر صغير منقوش عليه من الخارج جملة “كعبة الكافر” بخط كبير .. أمسك أحمد الدفتر بتردد و فتحه .. فوجد صورة جمدت الدم في عروقه ..فكانت الصورة لمنظر مُريع من الدماء .. قلب أحمد الصفحة سريعاً .. فوجد في الصفحة الاّخري .. صورة مرسومة بخط اليد لمعبد صغير أمامه صورة لبعض الممرات الضيقة و الطويلة ، ففهم أحمد أن ذلك المكان الذي ضاع فيه من قبل و بالتأكيد فإن ذلك المعبد ما يذهب إليه “ياسر” كُل يوم في المساء .. حرك بعض الصفحات الاّخري فلفت نظره بعض أبيات الشعر التي مُوقع عليها ياسر ..و التي تقول ..!
لمـا ذهبـــت و تـركــت لــي فـوق العنـاء عنـاء ؟!
و جعلت عمري معك رماداً منثورا فذهب هباء
و كنت وطنا نُـفيـت خارجـه ، فاحتــله الغربـاء
و كنت حبيباُ ندمت عليه، فبكيت بديل الدمع دماء
لم يعد أحمد يفهم أي شيء ، فماذا تعني تلك الـاّشياء التي لا علاقة لها ببعضها ..أكعبة الكافر تلك جماعة كما اعتقد .. أم شيئاُ غامضاُ و تلك الاّشياء قرباناً له..
، فقرر أحمد تتبع خطي ” ياسر” حتي يعرف سره ، لأنه بالتأكيد إن سأله سينكر كل شيء ..و قرر أيضاُ أن يعرف المزيد عن “ندي” فكما قال من قبل أن مفتاح اللغز كله معها .. !
و في اليوم التالي ..
اّثر أحمد أن يكون لقاؤه بنادين في ذات المحل التجاري المُطل علي البحر ..
و علي منضدة قريبة من البحر ، جلس أحمد و نادين يتحدثون عن مستقبلهم و عن تجهيزات الفرح الذي اقترب ميعاده ..
ثم بدا علي نادين الشرود و أنها تذكرت شيئاً ثم قالت لأحمد ..
نادين:نسيت اقولك حاجة مهمة
في يوم كنت واقفة مع ندي في الكلية و لقينا الناس كلها بتجري و بتصرخ و سمعنا أن .. يُـتبع