رواية البقاء للأقوى للكاتبة نوران شعبان
- الـبقاء لـلأقوى –
• الـفصل الـثاني •
••
كـانت ” مَـلِـكَـة ثـروت ” مُـقيدة ،،، رسغاها خـلف ظهرهـا يـلتفان بـالعامود الـحجري الـضخم ..
بيـنما شحبـت مـلامحها تمامًـا ، تـلون وجـهها بـالأصفر بـسبب مكوثـها لـأسبوع دون طـعام إلا عينـات منـه ..
نـظرت للـحرّاس الـغلاظ بـحقد و غـلٍ بـسبب نـظراتهم الـدنيئة الـتي تلتهمـها حتمًـا ..
حـدثت نفسـها تـجز على أسنانها ، يا مَن خطفتني و جلبتني إلى هنا ألـم تستطع إبـقائي لـوحدي لأتجنـب تلك الأعين الـوقحة ؟؟
فُـتِح الـباب الـحديديّ الـضخم لـيصدر صريرًا مزعجًـا لـأبعد حد ، ظهـر من خلفـه لـوح بشـري ضخم إعتقـدت أن تكوينـات جسـده بـنسبة 10٪ دم و 90٪ عضـلات ؟!
لا يهم الـمغزى أنـه ضخم كـالباب خلفـه ،، إقتـرب منها لـتشعر أنها سنفـورة خـرجت لـعالم الـبشر بـحجمه الـمُبالغ فـيه .. ما زاد من شعـور الـرهبة بـداخلها ذلك الـشئ الـأسود بـكف يده ، لم تـكتشف ماهيتـه لـكن إكتـشفتها فعليًـا عندما وجـدته يحاصـر رأسـها بـتلك الـقُماشة و التي لم تكن سوى قنـاع …
••
أخـذ ” مـايـو الـضبع ” يتململ بـقسوة في جلستـه و قد انتشـر الـغضب و تناثـرت أشلائه داخل خـلاياه و ظهـرت بـوضوح على تجاعيـد وجـهه الـمُنكمش ..
حـاول الـحديث لـكن ذلك اللـاصق مازال في مـوضعه على فمـهِ فـظهر صوتـه على هيئـة مـأمـأة قـوية جعـلت تـلك الـمُهرة صاحبـة الـبحة الـمميزة تـضحك بـصدي صوت لـتُثير استفزازه بـسخريتها عليـه ،، تصنـم جسـده عن الـحركة عندما وضعـت كفهـا بـنعومة على كتفـه تهمـس جـانب أُذنـه بـسخونة إنبعثت من أنفـاسـها الـملتهبـة و قـد شعر أنها تعـمدت ذلك :-
_ مش عـارف تتـكلم ؟ معلـش ..
بـس إنت هنا عشـان أنا أتـكلم و إنـت تسمعني و بـسس !
جـزّ على أسنـانه بـعنف بـسبب فُجـر حـديثها الـمُثير للـغضب و أحـسّ بـذلٍ كـونه لا يستطيع الـدفاع عن رجـولته و كـرامته لكن ما بـاليد حيلـة كفاه و معقودان ،، قدماه مـربوطان ،، رأسـه مُثبتـة على ذلك الـمقعد الـبارد و حتى فمـه لا يستطيع تـحريكه !
شعـر بها تبتـعد و تـأكد من ذلك فـور سماعـه دقات حذائـها الـراسخة الـواثقة فـحاول أن يلتف يرى من تـلك الـجاحدة الـأفعوانية التي تمتلك هذا الـكم من الـثقة و الـروعنة ؟؟!
لكـن للـأسف فشل في رؤيتها لـسببين :
الأول أنه لم يستطع تحريك رأسـه للـزاوية الـمطلوبة
الـثاني لأن الـغرفة مظلمـة …
لـذلك زفـر بـضيق خُلـق و نفاذ صبـر ،، يحاول تمـالك أعصابـه حتى لا يترك فـرصة لـتلك الـمجهولة أن تشمخ أنفها للـأعلى أكثـر
سمـع صـوتها الـمُتَمَلِّك يتحـدث بـتكلفٍ كـأنه من أرغمـها على الـحديث مثـلًا ؟!
:- مـن الآخـر لإن وقتـي أغلى من إني أضـيعه في كـلام تـافه مع شـخص أتـفه ..
أنا اللـي مـاسكة قضيـة – مَـلِـكَـة ثـروت – ، و بعـد مـا عملـت الـتحريات اللازمة إتـضح إن مـلكة كانـت بـتحضر مفـاجأة لـرجل الأعمـال الـعظيم -يعقـوب الـشامي – …
فـلاشة صغيـرة عليها كُـل فـضايحه و جـرايمه من أول ما وعَى على الـدُنيا دي لغـاية دلوقتـي ،، واحد صاحبها قـال إنها كـانت رايحـة تبلـغ عنـه يـوم الـسبت بعد ما طبعًـا تكتب مقـالها اللي هينقلـها للـشهرة و الإعـلام يوم الـجمعة ، و إختفت أو بـمعنى أصَّح إتخطفت يـوم الـجمعة الـصبح و هى في طـريقها للـجريدة …
صمـتت الـنمرة الـصغيرة عن الـحديث تتنهـد كـأنها تريد تشـويقه للـمزيد و الـمزيد ، شعـر بها عـادت تـدور و تتـربص له و كـأنه الـفريسة لـتكمل حـديثها بـنفس نبـرة الـفحيح الـفخمة خـاصةً لـأنثى عنيفـة مثلها :-
_ و كـدة نـقدر نضـيف على الـفلاشة اللي عليها جـرايمه جريمـة كـمان و هى خـطف ملكـة ثـروت …
بـس للـأسف الـشديد كـالعادة يعقـوب الـشامي بـيتقمص شخصيـة الـحرباية اللي بـتستخبى أول ما تـحس بـالخطر ، إتـلون بـاللون الـشفاف و كـأن الارض إنشقـت و بـلعته و يـؤسفني أقـولك إننا مش لاقيينـه ..
يـؤسفني أقـولك تاني إننا مش قـدامنا غيرك ” مـايو الـضبع ” خـريطة يعقوب الـتهامي و دراعـه الـيمين كـمان ……
إقـتربت منـه بـخطواتها الـمتكلفة الـثقيلة ،، لـتنخفض لـمستواه مُنـطوية على ظهرهـا خلفـه ..
قـام بـلوي رأسـه لـيحاول رؤيتها لكـنها كـانت خلفـه فـلم يستطـع ، لم يشغـل بـاله كل ما قـالته لا إنـدهاش ، و لا حتى حمـاس گـأنها ذُبـابـة صغيرة أخـذت تُـزعج مسامعـه ..
لكـن ما أراده و بـشدة هو رؤيـتها ، الـثقة و الـقوّة الـتي تـحتويهما نبرتـها فـتّاكـة قـاتلـة لـأبعد حد !
أطـرق أُذنيه لـيسمع صوت أنـفاسها الـمُنتظمة و هى تُـكمل بـنبرة شبـه آمـرة :-
_ مـش قـدامنا غيـرك عشـان تـدلنا على مكـان ملكـة ثـروت ، و إنـت مش قـدامك غيـر كـدة بـالمناسبة …
بـس مُـستقبلك في إيـدك يا تكـون مُتعـاون و تـقول الـمكان بـهدوء و أنـا بـأكد لـيك إنك تخرج من الـموضوع زي الـشعرة من الـعجينة ،، أو تـعافر و وقتـها هـأعافر و ……
صمـتت لـثانية إقتربـت فيها من أذنـه تهمس جـانبها بـسُم الأفعـى :-
_ و الـبقاء للـأقوى …
••
جُـرَّت مـلـكـة من معصمـها لا ترى شيئًـا إلّا سـواد ، ذلك الـحائط الـبشري حـاوط رأسـها بـقناع شعـرت بـالإختناق منـه … أجلسـها على مقعـدٍ مـا إستشعرت ملمسـه الـحريري أسفـل ثـيابها الـمُحتشمة لـتحاول عن طـريق كفيها الـمعقودين أن تتـلمس و تستكـشف الـمقعد أكثـر لـيتضح أن قـماشة الـحرير الـناعمة تُـغلفه فعليًـا فـتحول شعورهـا للـتوجس بـدلًا من الـراحة .. ذلك الـتغيير من الـمؤكد ان وراءه خطبٌ مـا ؟!!
سمعـت صـوت صـريخ مُـرعب يأتِ من الـخارج ، أمـالت بـرأسها تحـاول إستكشاف ما يُـقال خـارجًـا فـسمعت همهمـاتٍ گــ
(( شـوية أغـبية ، أنـا غـلطان إني سـيبت شـوية حمـير زيكم يتصـرفوا ! ))
صـمتٌ مُـريب جعـل طـبول قلبـها تبـدأ حفلتـها و تـضرب داخـل قفصـها الـصدري بـجنون ،، لكـن ما زاد حقًـا تـلك الـحفلة لـتتحول إلى جميـع أنـواع الأعـزوفات و لـيس فـقط الـطبول هو صـوت الـباب يُـفتح بـصرير يـدُل على تهـالكه .. إتبعـه صوت طـرقات حذاء تقتـرب بـهدوءٍ منها لـتتصبب جبهـتها الـعرق رغـم محـاولاتها الـبائسة في إبـقاء هـدوئها يحتل كـيانها .
رفعـت رأسـها الـمُغلفـة بـالقماشة بـعفوية ، و اخذتـا شفتاهـا تـرتجفـان خوفًـا من الآتي و هى تحـاول إستيعاب مَـن مِن أعـدائها قام بـذلك ؟!
هى صحافيـة مـاهرة لا تخشى سوى ربـها تعمـل على نشـر فـضائح و جـرائم رجـال الأعمـال الـفسدة الـذين يُـعلقون فـسادهم على مشجـب الأمـوال اولًا ، و الأعـلام الـمُزَوِّر ثانيًـا …
مَـن يـا إلـهى مِـن وسـط الـفسدة قـرر الإنتقـام منها في الـوقت الـحالي ؟!
تسائلـت بـداخلها و قـد غفلـت عن من يتقدم إلـيها بـخطواتٍ وئيـدة لكـن أصواتـها إختفت ، لـتشعر بـالرعب داخلها يتضاعف كمياتـه لإن كلما زاد الـسكون تهب الـعاصفة لـتُزيل بـقايـاه و بـقوة !
(( آنسـة مـلـكـة ))
صـوتٌ ذكـوريّ خشـنٌ صـدح بـالمكان فجـأةً جعلها تشهق داخليًـا بـذعر مـن هـول الـمُفاجأة ،، بينما صـدح الـصوت مـرةً ثـانية لـتنتبه لـنبرة الـود و الـهدوء مع مـزيج بين خُـصَـل الـرومانسية الـمتغلغلة داخـل حلقـه و الـمُنبعثة من على لسانـه :-
_ أنـا آسـف !
إبتلعـت ريقـها تشعر بـالخطر يحوم و يـدور حـولها ، لـم تُثـير الـنبرة الـهدوء في نفسـها بتاتًـا بـل زادت من حد تـوجسها ..
شعـرت بـشخصٍ مـا يسحب ذلك الـقناع من على وجهها بـهدوء ، و رغـم الـليونة في الـتعامل إرتـدّ حجابـها الأسـود بضعـة سنتيمترات للـخلف لـتتضح بعض الـخُصل الـسوداء الـثائرة حـول وجـهها …
لـم تنتبـه لـذلك بـل كـانت تـغلق جفنيها مُتألمـة من الـضوء الـساطع الـذي يُعنّف حزقتيها الـعسليتين الـجميلتين ، دعكـت عينيها لـتخفف الالام فـإنتبهت لـصوته الـرزين الـمائل للـحنو يعتـذر للـمرة الـثانية :-
_ حـقيقي أنـا بـعتذر و خجـلان جـدًا منـك ، و أكيـد هـبقى سعيد لـو سـامحتيني !
إلـتفتت بـالحركة الـبطيئة لـترى من هذا الـذي يـعتبرها طفلـة صغيـرة سـتنخدع بـالكلمات الـبدائية اللـطيفة ظنًـا منـه أنها سـتميل و تُـلَبِ الـطلبات ؟؟
كـأنها الـفأر و إعـتذاره الـحنون قطعـة الـجبن الـتي سـتوقعها بـالمصيدة !
كـأنها الـسمكة و صـوته الـهادئ هو الـطُعم الـذي سـيجعل الـسمكة تتعلق بـالشِبَـاك في سبيل الـوصول إلـى الـطعام ؟!
إلـتفتت لـيتصنم مـحياها عليـه ،،
تحـولت الـتعابير لـصدمة ممـزوجة بـالإستنكـار و هى تتطلـع للـشخص الـجالس على رُكبتيـه امـامها يـطالعها نـظراته الـراجئة ..
و لـم تلبث سوى ثـانية لـتتبدل الـملامح نحـو الـتهكم و الـسخرية الـواضحة وضوحًـا قاطعًـا ! تُحدجـه بـنظراتٍ خبيثـة من أعـلاه لـأسفله بـقميصه الأسـود و بنطالـه من نفس اللـون …
و رغـم أنها بـلا شك في خطـر الآن خـاصةً بعد رؤيتـها للـرجل أمامـها و كـان أكثرهـم شـرًا و ظُلمًـا لم تتـردد في الـهتاف بـسخرية أمـام وجـهه الـقمحي رافعًـة أحد حاجبيـها مُتصنعة الـدهشة :-