الرحمن الرحيم سبحانه جل في علاه
الرحمن الرحيم سبحانه جل في علاه
من أسماء الله تعالى الحسنى “الرحمن” و”الرحيم”، وهما اسمان مشتقَّان من الرحمة على وجه المبالغة، وهناك فروق بين هذين الاسمين، لكن قبل ذكرها لا بأس أن نَقِف مع مسألة اشتقاق اسم “الرحمن”؛فقد اختلفوا في هذا الاسم، هل هو مشتقٌّ أو لا؟ فذهب بعض العلماء إلى أنه غيرُ مشتقٍّ، وذهب الجمهور إلى أنه مشتقٌّ من الرحمة مبني على المبالغة[1].
قال القرطبيُّ: والدليل على أنه مشتقٌّ ما أخرجه الترمذي وصحَّحه عن عبدالرحمن بن عوف أنه سمع رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: أنا الرحمن، خَلقْتُ الرَّحِمَ، وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلَها، وصلته، ومن قطعها، قطعته))؛ قال: وهذا نصٌّ في الاشتقاق؛ فلا معنى للمخالفة والشِّقاق[2].
ورغمَ كونِ اسم الرحمنِ والرحيمِ كليهما مشتقًّا -على الأصحِّ – من الرحمة، فإن بينهما فروقًا، يمكن حصرُها في أربعة:
1- اختلافهما في الوزن: فاسمُ “الرحمن” على وزن فَعْلان، واسم “الرحيم” على وزن فَعِيل، والأول أشدُّ مبالغة من الثاني.
قال البيهقيُّ في “الأسماء والصفات”: وبِناءُ”فَعْلان” في كلامهم -أي: كلام العرب- بناءُ المبالغة، يُقال لشديد الامتلاء: مَلْآن، ولشديد الشِّبَع شَبْعان … والرحيم على وزن “فَعيل” بمعنى فاعل؛ أي: راحم، وبناء “فعيل” أيضًا للمبالغة؛ كعالم وعليم.
و قد أُثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “هما اسمان رقيقانِ، أحدُها أرقُّ من الآخر”، قال ابن كثير في تفسيره: أي: أكثرُ رحمةً[3].
2- اسم “الرحمن” من الأسماء الخاصة به سبحانه بخلاف “الرحيم”؛ فإنَّ من أسمائه تعالى ما اختصَّ به؛ كاسم “الله” واسم “الرحمن” و”الخالق” و”الرازق” ونحوها، ومنها ما يُسمَّى به غيرُه؛ كالرحيم والرؤوف، قال الحافظ في تفسيره للبسملة: “ولهذا بدأ باسم الله ووصفه بالرحمن؛ لأنه أخصُّ وأعرفُ من الرحيم”.
وجوابًا على سؤالٍ أورده الإمامُ ابنُ جريرٍ الطبري رحمه الله عن السبب في تقديم اسم “الله” على اسم “الرحمن” ثم اسم “الرحيم”، قال: “لأن مِن شأن العرب إذا أردوا الخبرَ عن مُخبَرٍ عنه، قدَّموا اسمَه، ثم يُتبِعونه صفاتِه ونعوتَه، فإذا كان ذلك كذلك؛ كان الواجبُ أن تُقدَّم أسماؤه التي هي له خاصة دون جميع خلقه، فبدأ اللهُ جلَّ ذكره باسمه “الله”؛ لأن الألوهيَّة ليست لغيره جلَّ ثناؤه من وجه من الوجوه، لا من حيث التسميةُ، ولا من حيث المعنى، ثم ثنَّى باسمِه الذي هو “الرحمن”؛ إذ كان قد منع أيضًا خلقَه التسمِّي به، وأما اسمه “الرحيم”، فقد ذكرنا أنه مما هو جائزٌ وصفُ غيره به”[4].
فالرحمن علَمٌ على الله لا يشاركه فيه غيره، كما قال الحسن البصري: “الرحمنُ اسم مُمتَنِعٌ لا يُسمَّى به غيرُ الله”.
ورُوِي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]، قال: “ليس أحدٌ يُسمَّى الرحمنَ غيره تبارك وتعالى، وتقدَّس اسمُه”[5].
فلا يجوز أن يُوصف بهذا الوصف ولا يُسمَّى “الرحمن” إلا الله عز وجل[6]، وقد تجرَّأ مُسَيْلمة الكذاب فسمَّى نفسه برحمن اليمامةِ؛ فكساه الله -كما قال الحافظ- جلبابَ الكذبِ وشهَّره به، فلا يُقال إلا مسيلمة الكذَّاب، فصار يُضرَب به المثل في الكذب بين أهل الحَضرِ من أهل المَدَر، وأهل الوَبَر من أهل الباديةِ والأعراب[7].
أما اسمُ “الرحيم”، فيجوز أن يُسمَّى به غيره سبحانه، وقد سمَّى الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم، حيث قال عنه: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
3- من الفروق كذلك: أن اسمَ “الرحمن” دالٌّ على صفة الرحمة كصفة ذاتيَّة، و”الرحيم” دالٌّ على صفة الرحمة كصفة فعليَّة[8].
يقول ابن القيم رحمه الله: “إن الرحمنَ دالٌّ على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دالٌّ على تعلُّقِها بالمرحوم، فكان الأولُ للوصف، والثاني للفعل، فالأولُ دالٌّ على أن الرحمةَ صفتُه، والثاني دالٌّ على أنه يَرحَمُ خلقَه برحمتِه، وإذا أرَدْتَ فهمَ هذا، فتأمَّل قولَه: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117]، ولم يجِئ قطُّ (رحمنٌ بهم) …”[9].
4- من الفروق كذلك أن “الرحمن” ذو الرحمة الواسعةِ، و”الرحيم” ذو الرحمة الواصلةِ؛فالرحمنُ الذي وَسِعتْ رحمتُه كلَّ الخلائق كما قال جل وعلا: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، وقال تعالى على لسان ملائكته: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾ [غافر: 7]، فرحمتُه سبحانه وَسِعتِ الإنسَ والجنَّ والدوابَّ، بل وَسِعت أهلَ الأرض والسموات.
“وهذه هي الرحمةُ العامة التي تشمل جميعَ المخلوقات حتى الكفار؛ لأن اللهَ قرَن الرحمةَ هذه مع العلم، فكلُّ ما بلغه علمُ الله -وعلمُ اللهِ بالغٌ كل شيء- فقد بلغته رحمتُه …”[10].
ومن الأدلة كذلك قولُه تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وقوله: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ﴾ [الفرقان: 59]، فذكر الاستواءَ باسمِه “الرحمن”؛ ليَعُمَّ جميعَ خلقه برحمتِه.
يقول ابنُ القيِّم رحمه الله تعالى في هذا المعنى: “ولهذا يُقرَنُ استواؤه على العرش بهذا الاسم كثيرًا-ثم ذكر الآيتين- وقال: فاستوى على عرشِه باسم الرحمن؛ لأن العرشَ محيطٌ بالمخلوقات، قد وَسِعَها، والرحمةُ محيطة بالخلق واسعةٌ لهم كما قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، فاستوى على أوسعِ المخلوقات بأوسع الصفات؛ فلذلك وَسِعت رحمتُه كلَّ شيء …”[11].
أما “الرحيم” فهو ذو الرحمةِ الواصلة الخاصة بعبادِه المؤمنين، حيث تَصِلُهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، ووجهُ الاستدلال من هذه الآية تقديمُ المعمولِ؛ فإنه يدلُّ على الحصر؛ أي: كان بالمؤمنين لا غيرِهم رحيمًا.
من آثارِ الإيمانِ باسمي الرحمنِ الرحيم:
من أعظم آثار الإيمان بهذَيْنِ الاسمين الكريمين إثباتُ صفةِ الرحمةِ لله جل وعلا: فمن عقيدةِ أهلِ الحقِّ الإيمانُ بالاسم وما دلَّ عليه من الصفات، فأسماؤه سبحانه ليست أعلامًا مجرَّدة، بل هي بدلالتِها على ذاته تعالى أعلامٌ، وبدلالتها على ما تضمَّنَتْه من المعاني أوصافٌ.
وهذا خلافُ ما يَعتقده أهلُ البدع؛ كالمعتزلة الذين يَسلبون عن أسمائه سبحانه ما دلَّت عليه من المعاني والصفات، فيقولون: عليمٌ بلا علمٍ، رحيم بلا رحمة …
يقولُ الإمام ابنُ القيِّم رحمه الله تعالى: “أسماءُ الله الحسنى هي أعلامٌ وأوصافٌ، والوصفُ بها لا يُنافي العلميَّة، بخلاف أوصافِ العباد فإنها تنافي علميَّتَهم؛ لأن أوصافَهم مشتركة، فنَفَتْها العلميَّة المختصَّة، بخلاف أوصافه تعالى”[12].
فقد يُسمَّى الإنسانُ “عبدَاللهِ” وهو من أكفرِ الناس، و”جواد” وهو من أبخلِ الناسِ …
يقولُ الدَّارمي رحمه الله تعالى: “لا تُقاسُ أسماءُ الله بأسماء الخلق؛ لأن أسماءَ الخلقِ مخلوقة مستعارَةٌ، وليست أسماؤهم نفسَ صفاتِهم، بل مخالفة لصفاتهم، وأسماء الله وصفاته ليس شيءٌ منها مخالفًا لصفاتِه، ولا شيء من صفاته مخالفًا لأسمائه …”[13] .
فاسم الرحمن واسم الرحيم دالَّان على صفة الرحمة التي ُنثبِتُها لله تعالى على ما يليقُ به دونَ تحريفٍ، ولا تعطيل، ولا تمثيلٍ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، وهذا سبيلُ أهلِ الهدى في كل أسماءِ الله وصفاته، وأما أهلُ الزَّيْغِ والهوى، فقد أبَوْا إلا تعطيلَ هذه الصفة، قالوا: هي رِقَّة في قلبِ الراحم تجاه المرحوم، واللهُ تعالى يتنزَّه عن ذلك، فمنهم: مَن عطَّلها تعطيلًا؛ كالمعتزلة، ومنهم: مَن تأوَّلها تأويلًا؛ كالأشاعرة.
يقول الزمخشري في كشَّافه: “فإن قلت: ما معنى وصف الله تعالى بالرحمة، ومعناها العطف والحُنُوُّ، ومنها الرَّحم؛ لانعطافها على ما فيها؟ قلت: هو مجازٌ على إنعامه على عبادِه؛ لأن الملكَ إذا عطف على رعيَّته، ورَقَّ لهم، أصابَهم بمعروفه وإنعامِه”؛ الكشاف.
وهكذا حالُهم؛ فإنهم ركبوا صنمَ المجازِ وطاغوته في التعامل مع كلِّ صفات البارِئ سبحانه.
يقول الشيخ المغراوي حفظه الله تعالى: “لقد اتَّخذ المُؤوِّلةُ المجاز زادًا وعمدةً في تأويل الصفات وتعطيلها، وكأن المتقدمين من السلف الصالح جهلوه، وعثَر عليه المتأخِّرون؛ فكان كنزًا من كنوزهم المُكتشَفة؛ فصار عُملةً صعبة عندهم … والذي نَدينُ اللهَ به، ويلزم قبولُه كلَّ منصفٍ محقِّق أنه لا يجوزُ إطلاقُ المجاز في القرآن مطلقًا …”[14].
وقد ردَّ ابنُ القيم على مَن ادَّعى أن رحمة الله مجاز ردًّا مُفحمًا في صواعقه المرسلة بعشرين وجهًا، من ذلك:
• “أن من أعظمِ الإلحاد في أسمائِه إنكارَ حقائقها ومعانيها، والتصريح بأنها مَجازات.
• أنه كيف يكونُ أظهرَ الأسماء -أي: الرحمن- التي افتَتَح اللهُ بها كتابَه في أم القرآن، وهي من أظهرِ شِعار التوحيد، والكلمة الجارية على ألسنة أهلِ الإسلام؛ وهي “بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” التي هي مِفتاحُ الطُّهور والصلاة وجميع الأفعال، كيف يكون مجازًا؟ هذا من أشنع الأقوال.
• قولُهم: “الرحمة رِقَّةُ القلب”: تريدون رحمةَ المخلوقِ، أم رحمةَ الخالق، أم كلَّ ما سُمِّي رحمةً شاهدًا أو غائبًا؟ فإن قلتم بالأول، صدقتم، ولم ينفَعْكم ذلك شيئًا، وإن قلتم بالثاني والثالث، كنتم قائلين غيرَ الحقِّ؛ فإن الرحمة صفةُ الرحيم، وهي في كل موصوف بحَسبِه … فإذا اتَّصف أرحمُ الراحمين بالرحمةِ حقيقةً، لم يَلزَمْ أن تكون رحمتُه من جنس رحمة المخلوق لمخلوقٍ، وهذا يطَّرد في سائر الصفات.
• إن من أعظم المُحالِ أن تكون رحمةُ أرحم الراحمين التي وَسِعت كلَّ شيء مجازًا، ورحمة العبدالضعيفةُ القاصرةُ المخلوقة المستعارةُ من ربِّه، التي هي من آثار رحمته – حقيقةً.
• أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقسم عليها صادقًا بارًّا: ((لَلَّهُ أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها))[15]، وفي هذا إثباتُ كمالِ الرحمة، وأنها حقيقة لا مجازٌ”[16]. انتهى
وممَّن تأوَّل صفةَ الرحمة الأشاعرة الذين قالوا: إن المقصودَ بالرحمة إرادةُ الإحسان أو الإحسانُ نفسُه[17]، وهذا حالهم مع كثيرٍ من الصفات، حيث أوَّلوها بإرادةِ كذا؛ لأنها -أي: الإرادة- من الصفاتِ السَّبْعِ التي أثبتوها، قالوا: نثبتها؛ لأن العقلَ يدلُّ عليها، فهذا التخصيصُ – أي: تخصيصُ المخلوقات بما هي عليه – دالٌّ على الإرادة.
ويُردُّ عليهم أن دلالةَ النِّعمِ على صفة الرحمة أعظمُ وأظهرُ وأوضح من دلالة التخصيص على الإرادة؛ فإن الأولَ يَعلمُه كلُّ أحد، بخلاف الثاني فلا يعلمُه إلا القليل.
كما أن الإحسانَ الذي فسَّروا به الرحمةَ من لوازمها، وكما يقول ابنُ القيِّم: “فإن إرادتَه الإحسانَ هي من لوازم الرحمة؛ فإنه يلزمُ من الرحمة أن يريد الإحسانَ إلى المرحوم، فإذا انتفَتْ حقيقةُ الرحمة، انتفى لازمُها؛ وهو إرادة الإحسان”[18].
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الردِّ على من يزعم أن العقلَ لا يدلُّ على صفة الرحمة:
(ونحن نردُّ عليهم من وجهين: بالتسليم والمنع:
• التسليم: أن نقولَ: هَبْ أن العقلَ لا يدلُّ عليها، ولكن السمعَ دلَّ عليها؛ فثبت بدليلٍ آخرَ، والقاعدة: أن انتفاءَ الدليل المُعيَّن لا يستلزمُ انتفاءَ المدلول؛ لأنه قد يَثبُتُ بدليلٍ آخرَ.
أما المنع: فنقول: إن قولَكم: إن العقلَ لا يدلُّ على الرحمة قولٌ باطل، بل العقلُ يدل على الرحمة؛ فهذه النِّعمُ المشهودة والمسموعة، وهذه النِّعمُ المدفوعة، ما سببها؟ إن سببَها الرحمةُ بلا شكٍّ)[19].
• ومن آثار الإيمان بهذَيْنِ الاسمين: نعمُه سبحانه وتعالى:
فإن كلَّ ما يَنعَمُ به الناسُ من النِّعم، سواء الدنيوية -وهذا أمر مشترَكٌ بين البَرِّ والفاجر- أو الدينيَّة -وهذا خاص بالمؤمن- كلُّ ذلك من آثار رحمته سبحانه.
فآثارُ رحمته جلَّ وعلا ظاهرةٌ بجلاءٍ، لا يُنكِرُها أو يَجحدُها إلا مَن أزاغ اللهُ قلبَه:
• فمن ذلك أنه سبحانه خلَقَنا ولم يَترُكْنا هَملًا، بل أرسل إلينا رسولًا، وجعله رحمة مهداة[20]، وأنزل إلينا كتابًا، وجعله روحًا ونورًا ورحمة كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل: 64].
• ومن رحمته سبحانه أن تَعرَّف إلينا بأسمائه وصفاته بواسطةِ كتابه وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلولا ذلك ما عرفناه سبحانه حقَّ معرفتِه.
• ومن رحمته سبحانه أن سخَّر لنا الأرضَ، فجعلها قرارًا ذَلولًا، والسماءَ فجعلها سقفًا محفوظًا.
• ومن رحمته تعالى أن أنزل لنا من السماء ماء طهورًا.
• ومن رحمته تعالى أن قسَّمها مائةَ جزء، فجعل جزءًا في الأرض؛ فبِه يتراحمُ الخلائق؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله مائةَ رحمةٍ، أنزل منها رحمةً واحدة بين الجنِّ، والإنس، والبهائم، والهوام، فبِها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تَعطِفُ الوحش على ولدها- وفي رواية: حتى ترفعَ الدابَّةُ حافرَها عن ولدها؛ خشيةَ أن تصيبه- وأخَّر اللهُ تسعًا وتسعين رحمةً يرحم بها عبادَه يوم القيامة“؛ متفق عليه.
• ومن رحمته كما ذكر الإمام ابن القيم في “إغاثة اللهفان”: “تسليطُ أنواع البلاء على العبد؛ فإنه أعلمُ بمصلحتِه، فابتلاؤه له وامتحانُه ومنعُه من كثيرٍ من أغراضِه وشهواته – من رحمته به، ولكنَّ العبدَ لجهله وظلمه يَتَّهِمُ ربَّه بابتلائه، ولا يعلمُ إحسانَه إليه بابتلائه وامتحانه”.
• ومن رحمته سبحانه بعباده: ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي؛ رحمةً وحماية.
• ومن رحمته: أن نغَّص عليهم الدنيا وكدرها؛ لئلَّا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره؛ فساقهم إلى ذلك بسياطِ الابتلاء والامتحان …[21].
• وبالجملة “فجميعُ ما في العالم العلوي والسُّفْلي من حصول المنافع والمحابِّ والمسارِّ والخيرات – من آثار رحمته، كما أن ما صرفَ عنهم من المكارِه والنِّقم، والمخاوف والأخطار، والمضارِّ – من آثار رحمته؛ فإنه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئاتِ إلا هو، وهو أرحمُ الراحمين”[22].