وسقطت ورقة التوت (كاملة)

وسقطت ورقة التوت (كاملة)

جميع الحقوق محفوظة للكاتبة منال سالم

هي قصة قصيرة محاكية لواقع إحدى الأمهات المصريات ..

مساء الخير عليكم جميعًا
اللي هانشره دلوقتي هو مشكلة تخص إحدى الصديقات المقربات لي، طلبت أصغيها بأسلوب الحكايات وعلى فصول في قصة قصيرة بعنوان (وسقطت ورقة التوت) عشان تحكي عن مشكلتها بدون ما تتكلم هي شخصيًا، أنا هانزلها كحلقات بس بدون وقت محدد لأنها معتمدة على سرد صاحبة المشكلة، وجايز دعواتنا ونصايحنا ليها تقدر تساعدها
ملحوظة مهمة:
بأكد تاني النشر هايكون معتمد على لقائي بالصديقة وكتابتي لتفاصيل مشكلتها ..
في انتظار رأيكم ونصايحكم ليها …
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(وسقطت ورقة التوت)

الفصل الأول
ربما أنا واحدة من مئات الزوجات المصريات اللاتي يعانين في صمت، يتجرعن الظلم والقسوة ويصمتن، لا مجال للشكوى في حياتهن المريرة، كل شيء يهون فقط من أجل صغارهن، فاض بي الكيل فقررت أن أبوح بما لا أستطيع في دفتر أوراقي علِّي أجد بين السطور السُكنى لأوجاعي، كنتُ كغيري من الفتيات الحالمات اللاتي يأملن أن يصرن زوجات لأزواج يغدقن عليهن بالحب والحنان، أن يعشن في كنف أزواجهن ويؤسسن بيتًا على أساس المودة والحب، فأنا ابنة لأحدهم عانت من انفصال الأبوين في سنٍ صغيرة، ورغم ذلك ظلت والدتي على عهد الوفاء مخلصة، لم تسيء إلى أبي، ولم تملأ صدورنا بمشاعر البغض والكراهية، فحياتها عند نقطة ما استحالت معه فقررت الانفصال عنه بهدوء، ومكثت أنا وأخوتي معها فلم تتزوج ولم تأتِ لنا بزوج أم يذيقنا قسوة لن نتحملها، معذرة لقد نسيت في غفلة ما أقول لكم أن أعرفكم بشخصي، لنقل أني أدعى “نهلة”، امرأة متزوجة ولي طفلان، لكني لا أظن أن ذلك الزواج سيستمر طويلاً، خاصة وأنا أعيش حياة مهددة بسبب والدة زوجي، أتصدقون؟ هي وأبنائها يسعون بسعادة شيطانية مخيفة لتدمير أسرتي بغض النظر عن الخراب الذي سيحل بي بعد ذلك، المهم أن يشبعوا ذلك الإحساس المريض المتفشي فيهم.
*****
لم يكن معروفًا عني – مثل بعض الزوجات – بأني زوجة كئيبة، بل كانت الابتسامة والضحكات المرحة سمة مميزة لوجهي البشوش، فأنا شابة رزقني المولى بقدر وافر من الجمال، ولم أغتر به يومًا، بل كنت أحمد الله على نعمة منَّ بها عليَّ دون غيري، تقدم لخطبي الكثير لكني وافقت على من دق الفؤاد لأجله، تحرى والدي عنه وعنه عائلته، لم يجد ما يمسه، لكن أقلقه ما نما إلى مسامعه من أمور تخص شقيقاته اللاتي تعدد خُطابهن، تغاضى عن ذلك معتبرًا إياهم شائعات تطال بعض الفتيات ممن ينهين الخطبة لأسباب تخص أصحابها، تم الزواج على خير وأنفقت عائلتي بسخاءٍ لتشتري لي الثمين والغالي، وأصبح منزلي مثالاً حيًّا لكل فتاة مقبلة على الزواج لتلقي نظرة على محتوياته فتختار ما يماثله، كنت معروفة لدى الجميع بأني العروس الجميل المرحة المحببة، لكن أثار ذلك الغيرة في نفوس بعضهم، لم أكترث لأحاديثهم الجانبية عني، فقد أخذت العهد أن أتقي الله في زوجي وأهله علَّ بذلك أفوز بالدارين.
ومع مرور الأشهر، اختفت البسمات المستبشرة وحل الاكتئاب والحزن، وكل ذلك بسببها هي؛ سليطة اللسان والدة زوجي، تغاضيت عن الكثير من أفعالها وكلماتها المستفزة – ومن تصرفات بناتها الوقحة – آملة أن تتحسن الأمور بيننا رغم أني لم أعادي إحداهن يومًا، كنت أبذل ما في وسعي فقط لإرضائهن، ووالدته تحديدًا كنت أتقي الله فيها كي يُرد لي معروفي معها حينما يغزو الشيب رأسي وأبلغ الكبر، لكنها اعتبرت ذلك ضعفًا مني، واستمرت في إذلالي، في إشعاري بالدونية لتتحول حياتي تدريجيًا إلى جحيم مستعر، مر ببالي ذكرى جلوسي في إحدى المرات بمنزلها على مقعد خشبي ولم انتبه لوجودها خلفي، فجلست باسترخاء عليه مولية إياها ظهري، فبدا لها الأمر كما لو كنت أتجاهلها عمدًا، يومها تلقيت أفظع إساءة على مرأى ومسمع الجميع، اغرورقت عيناي بالعبرات وهي تهينني قائلة:
-اعرفي مقامك كويس واحمدي ربنا إن ابني اتجوز واحدة زيك أمها مطلقة من أبوها، والله أعلم ليه!
وقعت كلماتها المسيئة لأبواي على نفسي كالطعنات النافذة، حاولت تحريك شفتاي لأرد عليها وأدافع عنهما، لكن بقيت العبارات حبيسة جوفي، وعبرت دمعاتي الحارقة عما يجيش في صدري، استأنفت إهانتها قائلة:
-أكيد هتطلعي زيها، بت فلتانة أهلك معرفوش يربوكي، مش قادرة تحترمي الأكبر منك، بس ابني اللي غلبان وطيب، اللي زيك مايلقش عليه إلا الرخيص!
وقتها فررت من منزلها راكضة وأنا أسمع سبابها اللاذع يخترق أذناي، صممتهما بيداي كي لا أحترق أكثر بقسوتها الشرسة، انزويت في غرفة نومي بمنزلي أبكي بلا توقف حتى عاد زوجي من الخارج، احتوى قهري وحزني بحنانه الكبير، تأسف لي قائلاً:
-حقك عليا أنا، إنتي أحسن منهم كلهم
رددت عليه بصوتي المنتحب وعيناي تفيضان من الدمع المقهور:
-والله ما فتحت بؤي ولا عملت حاجة
احتضن وجهي بين راحتيه ماسحًا بأنامله عبراتي، أحنى رأسه على جبيني يقبله قائلاً:
-أنا عارف والله، وهاجيبلك حقك
ضمني إلى صدره ليهدأ من روعي فاستكنت في أحضانه، أغدق عليّ بحنان أنساني ما كنت فيه، منحني حبه الصادق فتجاوزت عمن أساء لي، وكانت تلك البداية فقط لجحيم قد بدأ لتوه.
*****
لا أعرف من أين أبدأ حكايتي، لكن لتتخيلوا أنكم الآن معي في منزلي حيث انتهيت من إعداد الحلوى وصب الشاي الساخن في الأكواب لأقدمها للضيفات الماكثات في الصالة بالخارج، لم يكن بالغرباء عني، هن شقيقات زوجي وقريباته، اعتدن أن نلتقي أسبوعيًا في منزل إحدانا لنتسامر ونثرثر قليلاً، وتلك المرة كان اللقاء في منزلي، فنحن جميعًا نسكن بنفس البناية؛ أنا وزوجي مقيمان بالطابق السادس، أما والدته فتسكن بالطابق الأول، لنتفق على شيء قبل أن أسرد لكم ما حدث، سأستخدم الرموز للإشارة إلى أسماء تلك الشخصيات كبديل عن أسمائهم الحقيقية، بدأت بالتحرك بخطوات حذرة نحوهن لأضع الصينية على الطاولة التي تنتصف مقاعدهن، كنت كمن أصيب بصاعقة قوية ومباغتة حينما هتفت “س” بانتشاء متلذذ في نبرتها:
-ما ارتحتش إلا لما قولت لجوزها على الرسايل إياها، اللي كانت بينهم زمان
ردت عليها “ص” متسائلة بتلهف وقد بدت كمن يسيل لعابه لمجرد تتبع أخبار الأخرين:
-وحصل إيه؟
أجابتها بتشفٍ انعكس في نبرتها:
-خدت العلقة التمام منه ورمى عليها يمين الطلاق وطردها في الشارع
انقبض قلبي بقوة لسماع مثل تلك الأخبار الكارثية المفزعة، تساءلتُ بخوفٍ وأنا أمرر أنظاري على وجوههن الضاحكة:
-مين دي اللي بتحكوا عنها؟
أجابتني “س” ببرود:
-دي بنت خالتنا، كانت متنططة علينا شويتين، وعملنا معاها السليمة
زويت ما بين حاجبي متسائلة باستغراب وقد اعترت الدهشة ملامحي:
-متنططة ازاي؟
أجابتني “ص” تلك المرة قائلة:
-فكرت تلوي دراعنا
نظرت لها باستغراب، ورغم عدم إلمامي بتفاصيل الموقف وملابساته بالكامل إلا أني استنكرت هدم منزل إحداهن هكذا ببساطة، رددت بلا وعي وقد احتقنت الدماء في عروقي:
-طب ليه كده بس؟ حرام والله بنات الناس تتبهدل من غير ذنب
ردت “س” بغلظة وهي ترمقني بنظرات منذرة بشرٍ مستطر:
-وإنتي مالك؟ هي تقربلك؟ احنا عيلة في قلب بعض ولا نسيتي نفسك؟ ماهو مش معنى إنك مرات أخويا وإننا بنعاملك كويس تعدي حدودك
نظرت لها مصدومة فتابعت مهددة بذراعها:
-لأ فوقي أنا ممكن أخربها عليكي، ودلوقتي!!!
فغرتُ ثغري مشدوهة مما أسمعه منها، هي تهددني علنًا وبوقاحة منقطة النظير في منزلي حيث أضيفها، تسمرت في مكاني عاجزة للحظات عن الرد عليها، شردت أفكر في مصير صغيراي إن وقعت حقًا في مأزق يجبر زوجي على المفاضلة بيني وبين أسرته، شعرت بيدها تربت بقوة على طرف كتفي لتخرجني من شرودي المذعور، نظرت لها بذعر فأكملت متسائلة باستمتاع مريض:
-معانا يا حلوة ولا ……؟!
بترت عبارتها مترقبة ردة فعلي، لم أجبها، بقيت في مكانها متجمدة الحواس لا أصدق أنها تتلاعب ببساطة بمصائر الناس، كركرت “ص” ضاحكة بطريقة رقيعة لتضيف بعدها:
-وبعدين يا حبيبتي احنا بنعمل معروف في جوزها، مش أحسن ما يفضل على عماه ومش دريان باللي بيحصل من ورا ضهره
هوى قلبي في قدماي وأنا أسألها بصدمةٍ:
-بقى خراب البيوت معروف؟!
لكزتني في كتفي لتدفعني عن طريقها قائلة بثقةٍ مهلكة:
-مع اللي زيها أه
ثم أطلقت ضحكة أخرى أكثر وضاعة أصابتني بالنفور وأشعرتي بنغصة قوية في أسفل معدتي وهي تكمل بتفاخرٍ:
-وربنا يقدرنا على فعل الخير
انسحبت جميعهن من منزلي واحدة تلو الأخرى وأنا على حالتي المصدومة، انهرت على أقرب مقعد أبكي حسرة على واحدة ظلمت بسبب كيد النساء ومكائدهن المميتة، تخيلت نفسي في مكانها موضع شك وشُبهة، فزع قلبي وشحب وجهي كثيرًا، عاد زوجي من الخارج فوجدني على تلك الحالة المقلقة، سألني بتوجسٍ:
-حصل إيه؟
خشيت إن أخبرته بما فعلته شقيقاته أن أوغر صدره من ناحيتهن ويتحامل عليهن، لم يتركني إلا بعد أن قطع لي وعدًا بعدم التطاول عليهن، وحينها قصصت عليه أفعالهن، استشاط وجهه بالدماء الغاضبة، فابنة خالته لا تستحق ذلك، وزوجها هو أحد أصدقاء الطفولة، جلس إلى جواري مصدومًا متحسرًا، لكنه تعهد أمامي أن يبذل ما في وسعه كوسيط خيرٍ للم الشمل بينهما، فهو سيصلح ما أفسده الأخرين ابتغاءً مرضات الله، احتضنته شاكرة المولى على جعله زوجًا لي، ودعوته كثيرًا أن يحفظه لي ويحفظ عائلتي من مكائد شياطين الأنس.
*****
أتصدقون أني تبرعت لوالدة زوجي بالدماء حينما تم احتجازها بالمشفى بعد أن رفضت بناتها فعل ذلك؟ أذكر ذلك اليوم جيدًا وكأنه قد حدث بالأمس القريب، هرولت خلفها لأنجدها بعد أن تدهورت حالتها الصحية، كان وضعها حرجًا ووضعت بالعناية الفائقة، فعلت ما أستطيع ليتم علاجها وأوصيت زوجي ألا يبخل عليها بشيء حتى إن تكلف الأمر بيع ما يملكون، فالأم لا تعوض، شكرني آنذاك كثيرًا ووعدني أن يعوضني بالخير، كنت ممتنة لأني سباقة في فعل الخيرات، ولكن قُوبل عملي الطيب بجحود شرس، فعندما عدت إلى منزلها لأعاتب بناتها على تقاعسهن وتخاذلهن معها، ردت “س” بتأفف:
-ده فيرس سي، إنتي عوزاني أتعدي لما أتبرعلها؟!
حل الوجوم على وجهي وأنا أرد مستنكرة قسوتها:
-بس دي مامتك؟
أولتني ظهرها وهي ترد بجفاءٍ:
-شوفوا أي حد غيري!
حركت رأسي باستنكار جلي، والتفت نحو أختها التي رفعت يدها معترضة قبل أن أنطق بحرف:
-أنا عندي ظروف، وماينفعش أتبرع
تركتني واقفة في مكاني لتذهب إلى غرفتها صافقة الباب خلفها، ظلت نظراتي مجمدة على بقايا أثرها، ضربت كفي بالأخر مبدية حزني على قسوة الأبناء على أباءهم خاصة حينما يكون أحدهما بين براثن المرض، تلألأت العبرات في حدقتي تأثرًا، كفكفت دمعاتي قبل أن تنهمر مرددة في نفسي بنبرة عازمة
-أنا مش هاسيبها، مهما كان دي زي أمي، وهافضل معاها لحد ما تقوم بالسلامة.
وبالفعل بقيت إلى جوارها أواظب يوميًا على زيارتها في الوقت المخصص لذلك، وهاتفت أفراد عائلتي للمشاركة في التبرع بالدماء لأجلها، اكتمل شفائها على خير، وعادت إلى منزلها فكنت أول المستقبلين لها، أنكرت معروفي معها قائلة بجفاءٍ:
-ده اللي المفروض تعمليه يا عين أمك، جوزك اللي هو ابني لمك في بيته واتجوزك، وبيصرف من جيبه عليكي، فلازم تردي اللي بيعمله معاكي، ولا تكونيش حابة أزعلك و… !
يَومُها تملكني إحساس الندم للتضحية من أجل من لا يستحق، تجاهلت باقي حديثها وابتسمت بصعوبة وأنا أقول لها بهدوء لأخفي ما يشتعل في صدري من غضب مبرر رغم كوني قد اعتدت على ردودها الفظة:
-عمومًا حمدلله على سلامتك، هاسيبك ترتاحي
لم أضف المزيد واكتفيت بالانسحاب من منزلها حتى لا أدع لها الفرصة لإشعال الفتن من جديد، هي تقتنص كل فرصة سانحة لافتعال مشكلة ما من لا شيء لتوقع بيني وبين زوجي، وأنا كنت أفسدها عليها بابتعادي، لم أشكِ له إلا بالقليل حينما يجد الحزن مرسومًا على ملامحي، فيهرع إليها مدافعًا عني وطالبًا منها ألا تتدخل في شئوننا، لكن أتظنون أنها تركتني وشأني؟
******

يتبع >>>>>

error: