في قبضة الطاغية الفصل العشرون

في قبضة الطاغية الفصل العشرون

*في قبضة الطاغية*
((الفصل العشرون))

_مرت بعض الأيام ليحدث تطور هام في حياة “غيث” الذي كان يحاول وبكل جُهده العودة إلى عالم البشرية الذي لم يعلم عنه شيء فقد عانا طيلة حياته مع ذئاب مفترسة انتهكت طفولته البريئة، وجعلته لا يعرف معنى الإنسانية في حياته ،فبات ينتهك هو أيضًا العالم ،بسطوته وطغوته….

_لم يكن الأمر سهلًا عليه ليندمج مع خطوات “جود” التي تحاول هي الأخرى أن تغير من طريقته وأسلوب حياته لكن كانت حيلتها هي أن تجعله يفعل ذلك بنفسه وكأنها غير إرادية منه وهذا ما جاهدت عليه حتى لا تشعره أنه بحاجة للتوجيه بل يمكنه أن يوجه نفسه ….
خاصة بعد تطور العلاقة بينهم صحيح أنها لم تصبح زوجته رسميًا بعد ،لكن كان قربهم يشعر كل واحد منهم بأمان يخفيه كل واحد منهم على الأخر ، في بعض الأحيان تظهر شدته وقسوته عليها وكانت تتفهمها “جود” وتحاول معه ،وفي البعض الآخر يتصرف كالطفل المستنجد بوالدته فتعطيه “جود” الحنان الكامل
….
“مليكة” كانت تردد عليها بين الحين والآخر لكن لم تخبرها شيئًا عما عرفته حتى تتأكد من ظنونها ،وفي يوم زارت “مليكة” “جود” وجلسا في حديقة القصر ،وأتت لهم “حسنية” بقدح الشاي وبعض الحلويات الشهية …
حسمت “مليكة” أمرها لتحاول التأكد من ظنونها فهتفت وهي تمسك بفنجان الشاي ليبدو الأمر طبيعيًا :
-قوليلي صحيح يا “جود” هي مامتك فين أنا مشوفتهاش لحد دلوقتي ؟
ظهرت سحابة الحزن على وجهها ووضع فنجان الشاي الخاص بها على الطاولة أمامها ، ثم نظرت نحو نافورة المياه تلك التي تبعد عنها مسافة قصيرة لتتنهد بحزن ثم تعاود النظر إلى “مليكة” التي كانت تتنظر منها إجابة ،تحيرت “جود” بماذا تخبرها ،أتخبرها أن أخيها هو السبب في ضياعها ،تألمت وهي تتحدث قائلة:
-مشيت من هنا ،ومعرفش عنها حاجة !
خمنت “مليكة” أخيها من السبب في ذلك حسب سمعها للحكاية التي أخبرتها عنها والدتها قبل ذلك ،صمتت تحاول أن تفكر هل تخبرها أم لا ،قررت أن تصمت الأن حتى تتحدث مع “غيث” وتخبره بهذا الأمر ، فهتفت قائلة بلطف :
-إن شاء الله ترجعلك تاني يا حبيبتي !
تمنت حقًا ذلك وتممت بخفوت:
-إن شاء الله .
فكرت “جود” مليًا ثم ترددت وقالت:
-هو أنتِ ممكن تحكيلي عن عليتكم أكتر يعني عن مامته و .آآ
بترت “جود” عبراتها ثم زفرت بتمهل وقالت:
بصي أنا ..آآ نفسي يبقى شخص كويس بس مامته قست عليه أوي و ..
قاطعتها “مليكة” بإشارة من يدها:
-مش زي ما هو فهمك !
نظرت لها مستفهمة وهي تحثها على الحديث فأكملت بصوت خافت حتى لا يسمعها أحد:
-الحكاية مش كده ،ماما مظلومة يا “جود” وعانت هي كمان زيه ملهاش ذنب في اللي حصله لما سمعت الحكاية مصدقتش صدقيني وكان قلبي محروق من اللي سمعته !
نزلت دمعة حارقة منها مسحتها سريعًا ثم أكملت قائلة :
-جدي وبابا هما السبب للأسف ، جدي خلّا بابا يقسى على ماما أوي ولولا إنها كانت حامل كان طردها مع “غيث” !
تعجبت “جود” ثم سألتها قائلة:
-طب ليه يعملوا كده فيها عملت إيه ؟!
تنهدت “مليكة” وهي تخبرها بكل شيء عن ما قالته لها والدتها، فشهقت “جود” ليرق قلبها على تلك البائسة المسكينة ،حُرمت من ولدها وهو صغير ، أكملت “مليكة” بنبرة حزينة:
-صعب دلوقتي “غيث” يحاول يسامحها ، لكن على الأقل بحاول من ناحيتي لو قدر يتعامل معايا بشكل طبيعي يبقى ممكن يكون في أمل إن يسامحها !
بادرت “جود” بقولها بنبرة حاسمة:
-أنا عايزة أشوفها !
دُهشت “مليكة” من طلبها وارتبكت لكون السر الذي تخفيه فحاولت إبعادها عن تلك الفكرة في الوقت الحالي:
-بلاش في الوقت الحالي استني شوية أحسن
أومأت برأسها صامتة وهي تفكر بحديث “مليكة” عن والدة “غيث”
……………………..……………………..…………….
……..
جلست “جود” على تلك الحافة في الحديقة شاردة تفكر بوالدتها ،هل هي بخير ماذا جرى لها كلما تتذكر تحزن ويعتصر قلبها ،أطلقت تنهيده حارقة متألمة ….

-مالك؟!
التفت مخضوضة وهي تراه يقف بكل برود أمامها ثم جلس بجانبها فأعطته نظرات معاتبة وأشاحت بوجها عنه ، تعجب من حالتها المتحولة فقد ظلت أيامًا تحاول أن لا تتركه وتدعمه ليتسحن ،رفع إحدى حاجبيه مكملًا بنبرة ساخرة:
-قلبتي يعني مرة واحدة ،إيه عاوزة تقلتيني تاني ؟!
اكتفت بنظرات ساخطة له قائلة:
-ممكن بلاش تريقة !
نظر لها بإعجاب واضح وظهر ذلك على وجهه وهو يضيف :
-واضح إن كلامك اتحسن أوي وبقتي بتعرفي تتكلمي كويس !
رفعت وجهها نحوه وابتسمت بسخافة لتقول بنبرة استهزائيه:
-كل من بركاتك يا باشا !
أمكسها من معصمها يجبرها للنظر في عينه قائلًا:
-أنا جوزك دلوقتي يعني مش عايزة شغل زمان ده ،بعدين مالك لسة من شوية كنتي في حضني إيه اللي قلبك من لما مشيت “مليكة” قولي !
تنهدت بضيق مسموع ثم التفت نحوه والحزن ظهر عليها من جديد ،دمعة حارقة لم تستطع منع نزولها ،هَمت بمسحها إلا أنه سبقها بذلك ومد إصبع يده يزيل لها تلك الدمعة المؤلمة بالنسبة له ،على غير عادته أمسك بيدها يحاول طمأنتها ليسألها بصوت هادئ :
-“جود” حصل إيه احكيلي ؟
رفعت عينها نحوه ثم هتفت أخيرًا بنبرة خافتة :
-“غيث” أنت مش حاسس بيا، أنا بحاول أساعدك عشان تتغير ،أيوة سامحتك خلاص لما عرفت اللي حصل بس أنت مازالت بتسببلي وجع وتخليني أتلخبط منك ومن حياتي !
ظهرت على قسمات وجهه بعض القلق لكنه لم يظهر ذلك لها ،شدد على يدها محاولًا حسها على الكلام أكتر من دون أن يسألها ،تشجعت “جود” وحدقت في عينه مباشرة قائلة :
-ماما !
نظر لها نظرات متحيرة فأكملت بنبرة خائفة:
-أنت رمتها وخدتها مني وهي ملهاش ذنب في حاجة، حرمتني منها ومن حنانها كانت هي اللي بطمني ،نفسي ترجعلي يا “غيث” ،قولي هتعمل كده علشاني ولا مش هفرق معاك!
صُدم من طريقة تعبيرها التي ألمته فهي قد أوصلت له مدى قساوته وحقارته ،شعر بالألم يغزو قلبه من جديد ، ترك يدها وأصبحت عروقه تتحرك وقف مرة واحدة وأسرع بخطواته إلى فوق وسط دهشتها ، وقفت تركض خلفه غير مدركة لما فعله هو ،….
_دلف إلى غرفته وصفع الباب ثم فرد جسده على فراشه يحاول التحكم بأعصابه ،سمع صوت دخولها لكنه لم يلتفت لها وأغمض ،اقتربت منه خائفة ، جلست بجانبه على الفراش فلاحظت أنه في حالته الغريبة لم تفعل شيء له بل أرادت أن تجعله يتحكم بها ويتغلب عليها ، فقط أمسكت بيده التي قبض عليها بشدة ، مسدت على شعره متنهدة بحزن حتى مرت دقائق شعر بها بالراحة وارتخى جسده بالكامل ،فتح عينه ونظر لها ثم اعتدل في جلسته وقال بنبرة جامدة:
-سبيني دلوقتي !
-“غيث” أنا …
هتف بصوت عالي:
بـــرا دلوقتي !
تركته منزعجة وهو لم يعلم كيف يصلح ما فعله !
……………………..……………………..………
جلست “مليكة” في مكتبها متحيرة ماذا ستفعل ،تريد أن تخبر أخيها بحقيقة ما سمعته وأثناء شرودها دلف إليها يتفحصها بأعين حادة ،لم تلاحظه أصدر صوتًا وافتعل الرسمية والابتسامة ،انفضت ونظرت له فزعة ،فاعتذر قائلًا بنبرة آسفة:
-احم بعتذر منك يا دكتورة !
ابتسمت له فهي عندما تراه لا تعرف كيف تشعر لكن قلبها يدق بعنف حاد ،تحكمت بنفسها قائلة:
-ولا يهمك يا أستاذ “باسل” كنت محتاجني في حاجة ؟
نظر لها بأعين جعلتها ترتبك أكثر لكنه أضاف بجدية قائلًا :
-أيوة بصراحة كان في حاجة مهمة وكنت محتاج مساعدتك فيها
سألته مشيرة له بالجلوس فأكمل وبداخله بركان يريد أن ينفجر:
-قصر “الصقر” !
-“الصقر” ؟؟!
ما لبثت أن فهمت أنه يقصد أخيها لكنها لم تفهم ماذا يقصد فباغتته قائلة:
-أأه ،بس مفهمتش قصدك أنت محتاج حاجة هناك!
-أشتغل !
رفعت حاجبيها فأكمل بنبرة لئيمة:
-عايز أنقل هناك بدل المزرعة مش مرتاح هنا أوي لو تقدري تلكميه يمكن يوافق
ابتسمت له مطمئنة ،ثم هتفت مومأه رأسها متفهمة :
-فهمتك تمام ،خلاص سيب الموضوع ده عليا وأنا أوعدك إني هتصرف!
ابتسم لها ابتسامة سحرتها فأخفضت رأسها أرضًا ،ثم وقف ممتنًا يشكرها:
-مش عارف أقولك إيه شكرًا ليكي بجد يا …آنسة “مليكة” !
اكتفت بابتسامة خجلة وحركة رأسها ،دلف خارجـًا وعلى ثغره ابتسامة خبيثة وهو يحدث نفسه:
-اتقلي عليا بس، هوريك ازاي تموت عشانها !
……..
عند “مليكة” ظلت شاردة بباسل وهي مازالت مبتسمة حتى طاف ببالها صورة “ماجد” فتعكر مازجها وتنفخت ولم تعرف لماذا ، حتى أخرجها من تفكيرها صوت هاتفها الرنان ،نظرت لتجد اسم أخيها ردت بعد ارتباكها :ك
-أيوة يا “غيث” !
-اطلعيلي برا أنا في العربية يلا بسرعة !
قالها بصوت غير طبيعي جعلها ترتبك أكثر، فسألته متوجسة:
-خير في حاجة حصلت؟

سمعته بصوت أكثر غضبًا:
-بقولك يلا بسرعة !

أغلق بعد ذلك في وجهها ، أخذت نفسًا عميقًا تحاول السيطرة به على نفسها ،ثم ولجت إلى الخارج ،وبطريقها لمحت “باسل” ينظر لها فابتسمت له ،ثم هرولت سريعًا ….
……..
بالخارج كان “غيث” منتظرها بسيارته الفارهة ينظر من نافذته حتى لمحها آتية ،ثم ركبت لينطلق السائق سريعًا
……………………..……………………..……..

مرت عدة أيام في هذا الوقت تواجد “غيث” بالمزرعة وبجانبه حارسه “عماد” ،لمح “غيث” بعينه مكانًا ما وابتسم بداخله ثم قال ل”عماد”:
-استناني برا يا “عماد” دلوقتي !
نفذ لأمره على الفور بينما تقدم “غيث” من ذلك المكان وهو يتفحصه ويخطط لشيء !
وبينما هو مسلط تركيزه على تلك البقعة التي يتواجد بها ،شعر بوخز حاد ،حاد للغاية اخترق جسده ليسمح بسيل من الدماء يتسلل منه بغزارة ، واشتد الألم عندما نُزِع ذلك الشيء الحاد ليدوي صرخة عالية وينظر وراءه ليراها تنظر له بعدوانية وشيطانية كبيرة قائلة :
-خدت بتاري منك يا مفتري !!!
……………………..……………………..…….

 

error: