في قبضة الطاغية الفصل السادس

في قبضة الطاغية
((الفصل السادس))

_بعد أن استلمت صباح عملها وأصبح هذا الأمر يُشغلها قليلًا عن فقدان ابنتها ،إلا أن بكائها لم يكف بين الحين والأخر ،وهي لا تعلم ماذا حدث لابنتها وهل هي بخير ؟، كل ذلك تجهله وقلبها أصبح يتألم من فقدان زوجها بهذا الشكل البشع ،فصباح عندما وُلدت لم تكن القرية على ذاك النحو بل كان يحكمها رجل قور أغدق على أهلها بالمال والطعام ولم يجعل واحدًا منهم يشعر بتعب أو يحتاج شيء ،وعندما تزوجت من حامد وأنجبت ولدها ثم بعدها بعشر سنوات أنجبت ابنتها وبعدها بسنتين فقط مات ذلك الرجل ولم يكن متزوجًا أو لديه أولاد أو أي وريث ،فقط ورثها عن عمه ولم يبقى هناك أحد متبقى من عائلته ،فأصبحت القرية خالية دون حاكم ،وبدون سابق إنذار أتى ذلك الطاغي يستعبدها ويتحكم بها فأخذ كل الأموال وأي شيء يملكونه وأخذ يوزع عليهم فقط ما يريد والذي كان قليلًا لا يكفي فأخذت نصف القرية تنهار وأصبح عدد الموتى بها كثيرًا ،زوّر الصقر أوراقًا ليثبت بها أنه الوراث الوحيد لذلك الرجل فاستطاع بكل سهولة أن يصبح هو حاكمها ومن هنا بدأت القرية على هذا النحو، وإن جاءت أي شرطة لتفقد أحوال القرية فيأمرهم جميعا بتحفظ وأنهم على ما يُرام وأحوالهم جيدة وهكذا استمرت أحوال القرية تحت سطوته وجبروته الحاد ،ولا أحد يعلم حتى الأن ما هو فصله ومن أين أتى ومن يكون !….
أفاقت صباح من تفكيرها لتجد دموعها تنساب بغزارة وزردات تلك الدموع لدى تقطيعها البصل ،هي هنا تشعر بالدفء وسط تلك العائلة الحنان والرحمة التي افتقدتهم الان تعيشهم من جديد ،لكن وماذا عن ابنتها هل هي تحت تأثير الرحمة أم لا …
هتفت صباح مناجية ربها :
ربنا معاكي يا بتي ويرجعك ليا قرِيب !
……………………………………………………..
استقلت جود السيارة الفارهة الخاصة بالصقر وجلست بجانبه بطبع وهي تجهل لماذا جهّزها بهذا الشكل وماذا يريد ،لكنها لم ترتاح للأمر وكل ما كانت تبغضه هو ذلك المفترس الذي يطالع بها نظراته الوقحة ،وتحسرت على حالها فهي الأن مكشوفة الشعر صحيح أنها لم ترتدي الحجاب نظرًا لمنع الصقر من أي شريعة بها فريضة دينية أو غير ذلك فأصبح مجرد وشاحًا عاديًا ذهبت بهجته ،كانت تتمنى أن تؤدي فريضتها وتضع الحجاب ،دمعة حارة نزلت منها مسحتها سريعًا ….
لتسمع جود صوته الكريه بنبرة خشنة حادة:
لما نوصل مش عايز أسمع حسك ولا صوت منك ،ولو حد كلمك أو سلم عليكي هزي راسك وخلاص ،فهمــتي ؟!
نظرت له نظرات احتقارية ولم ترد عليه فصاح بها منبهًا :
فهمــــــــــتي !!
تراجعت للجانب خائفة وأومأت برأسها بأسى ثم نظرت من نحو النافذة شاردة في ذلك المكان المجهول !
…..
وصلت السيارة أمام ذلك الملهى الليلي الفاخر ،نظرت حوله جود بتفحص وهي تحاول إدراك ذلك المكان المجهول تمامًا بالنسبة لها ،نظرت إلى باب السيارة ولم تعرف كيف تفتحه فظلت قابعة تنتظر ما سيحدث ،نزل الصقر وعلم أنها لا تعرف فتح الباب فأمر السائق بفتحه لتحاول أن تنزل لكن هذا الحذاء جعلها تجد صعوبة في النزول فهي لم تتعود على ذلك أبدًا ،نظر لها الصقر بتأفف وسحبها بقوة من يدها قائلًا :
ما تخلصي !
زفرت جود باختناق وتألمت من قبضة يده قائلة :
سبني هعرف أمشي لوحدي !
لم يعبأ بها وظل ممسكًا بيدها يسحبها حتى وصلا إلى الداخل وخفف القبضة وتصنع البرود !
عندما نظرت جود نحو المكان كانت الدهشة كبيرة على وجهها ،لترى تلك الراقصة تتمايل على أنغام صاخبة بدون حياء ،وهؤلاء الناس المنغمسين في ما حرمه الله وسط الخمور والنساء ، كانت عينا جود منفتحة مما رأت تقززت بكل معنى الكلمة وهي تمتم بغضب جامح :
أستغفر الله العظيم !
لم يسمع الصقر تمتها لصوت الموسيقى العالي ، نظر لها فوجدها واجمة وتعشر بالضيق تبسم أكثر بشراسة ثم سار بخطواته وهي بين يده ولا تستطيع تحريك يدها منه !
وصل الصقر إلى رشده لينظر إلى …”شريف” الجالس ووسطه العديد من النساء الخليعات وكاسات الخمر ،كان الصقر معه أيضًا سراج الذي بدوره نظر إلى شريف بمغزى معين ،ضحك شريف ونظر إلى الصقر ليرحب به لكنه لفت نظره تلك الملاك الواقف بجانبه فلمعت عيناه خبثًا بها ،خاطبه شريف قائلًا مصوبًا نظراته نحو جود :
الصقر باشا منور ،عاش من شافك !
نظر إليه ببرود قاتل وجلس بكل شموخ أشار إلى جود لتجلس جانبه ،كانت جود في ذلك الوقت تريد أن تموت حقًا ولا تكون في ذلك المكان المحُرم وجدت نظرات الصقر الحادة تتبعها فجلست على مضض ، ليقول الصقر بنبرة غير مكترثة :
أهلًا شريف .
كانت نظرات شريف تكاد تنخلع من مكانها وهي مصوبة تجاه جود الناظرة أرضًا ،تبسم الصقر لأنه وصل إلى مبتغاه، ليتحدث شريف بنظرات جريئة لجود :
مش هتعرفنا بالقمر ولا إيه ؟
رفعت جود نظراتها نحوه بحدة بالغة لكن الصقر تحدث وهو ينظر لها بنظرات مماثلة :
جود، حبيبتي ومليون خط أحمر عليها !
بحلقت جود بعينها غير مصدقة ما تفوه به للتو ، ماذا! حبيبته ؟؟!
مجنون هذا أم ماذا ،يلاك من وقح ،كانت جود ستنطق ،لكنه أسكتها بقبضة يده الطاغية ،كانت جود تتنفس بصعوبة تريد قتله !
لم يرتاح شريف للأمر وعزم على النيل من تلك الفتاة الجذابة ثم خاطبها قائلًا :
نورتي المكان يا جود هانم !
لم تتحدث جود بل اكتفت بهز رأسها كما قال لها الصقر حيث شدد علي قبضته بها أكثر ،وقد سخرت من ذلك اللقب “هانم” إنها مجرد كائن حي مُستعبد !
لاحظ شريف ذلك الجرح في يد الصقر فسأله متحيرًا :
مال إديك يا صقر باشا !
صُوِبت عينه نحو يده لينظر إلى جود متوعدًا ثم قال بنبرة غليظة :
واحد غبي حاول يطاول عليا ،بس طلع متخلف وكان هيروح فيها !
تحاملت جود إهانته بشدة وهي تريد الفتك به فصمتت ولم تتكلم !
ظل الصقر يحادث شريف عن أمور صفقتهم وجود لا تعي شيء من حديثهم لكن سراج كان منتبه للغاية وهو شارد بذهنه وبعد قرابة الساعة ،استعد الصقر للرحيل وأوقف جود ،الذي ظل شريف يتابعها بعينه ..
ليقترب منها شريف قائلًا :
فرصة سعيدة ،خلينا نشوفك يا جميل
هم بتقبيل يدها فسحبها الصقر على الفور ناظرًا إليه شزرًا ،فتراجع الآخر ساخرًا ،ليمشي الصقر بجود خارجًا وهي تكاد تغلي من الغضب ! ،حتى ركبا السيارة ومن هنا انفتحت جود صارخة به :
هي وصلت معاك للوقاحة دي ، تجبني مكان مجرف (مقرف) زي ده وتلبسني كده ،وتخلي راجل معفن يمسك إيدي وبيوسها ،لأ وكمان يبصبصلي بصات مش تمام ،أنت عايز إيه مني بظبط !
لم تسكت جود بل ظلت تتكلم وتوبخه حتى فاجأها بأنه كمم فمها بشريط أخرجه من جيبه ونظر لها بأعين جامحة :
صوتك مسمعوش ، فاهمة َ! ،أنتِ واحدة معندكيش رأي يتقال تنفذي وبس !
بكت جود وبقهرة وكم تمنت الموت في تلك اللحظة !…
……………………………
أما عن سراج فأهوم الصقر أنه سيلحق به لكنه جلس مع شريف يخططان سويًا لكن شريف سبق ذلك وقال بنبرة عازمة :
البنت دي عازوها وكلام الصقر ده ميدخلش دماغي ،تخطفها تتصرف وتجبهالي فاهم !
أومأ سراج زافرًا بحدة ثم قال :
المهم دلوقتي هنوقع الصقر إزاي !
-لا دي سبهالي أنا ، دي كل حاجة طلعت سهلة وعلى الجاهز !..
قالها شريف بريبة كبيرة وعيناه لا تبشر بالمرة
………………………………………
عندما عاد عدلي من مشواره وجد رحيم جالسًا ينتظره ،ليجلس عدلي ويقول :
ايه مالك قاعد كده !
نظر له ريحم وهتف وهو يشاور بيده :
كنت فين كل ده ،مقولتش هتتأخر !
ابتلع عدلي ريقه ثم حاول التحدث بنبرة طبيعية :
عادي يا رحيم كنت بقابل جماعة صحابي ،المهم كنت عايز إيه ؟
لا يعرف رحيم ماذا يقول لكنه حسم أمره وقال :
اسمع يا عدلي ،خلينا نأجل موضوع بنتك شوية ،مالك مش مستعد للخطوة دي ولسة رافض الارتباط
تفهمه عدلي وقال :
أنا عارفة إن مالك مر بتجربة صعبة ،بس أرجع أقولك هو صغير وأنت استعجلت أوي على الموضوع ده !
تنهد رحيم وهتف بندم :
خلاص اللي حصل حصل ،المهم إننا نستنى شوية
هز عدلي رأسه وقال :
ربنا يقدم اللي فيه الخير ،هطلع اطمن على الولاد وأشوف الحج !
وبشكل خفي تسلل عدلي إلى غرفة كوثر ليجدها تنظر من النافذة شاردة فتقدم منها قائلًا بصوت منخفض :
كوثر عايزك بسرعة
فزغت كوثر قليلًا لكنها ارتاحت فور رؤية عدلي فهو الوحيد المختلف عنهم والمشفق عليها لذلك بادرته كوثر قائلة :
اهلا يا عدلي اتفضل خير ؟
كانت كوثر تشعر بالصدمة الكبيرة فور سامعها لكلماته ظلت تلك الكلمات تترد في أذنيها وحاولت التماسك عندما سمعت عدلي يقول :
شوفت غيث انهاردة !
انهارت كوثر على ذلك الكرسي بجوارها وهي تقول بدون وعي :
مش قادرة اصدق ابني ؟!!، عاايش
…………………………………………….
عاد الصقر إلى قصره وسحب جود التي كانت مكممه ليوقفها ويصفعها على خدها قائلًا :
كلام ملوش لازمة مش بحب ،سااامعة ،تنفذي من غير حرف !
أومأت جود برأسها خائفة حيث كانت نبرته هيسترية شديد ليصيح بزينب قائلًا :
زينــــــــــــــــب !
أتت زينب مهرولة لتنظر إلى جود الملاقا أرضًا بهلع لكن الصقر أمرها بنبرة فظة :
تاخديها فوق في أي أوضة وتخليها متكممه كده وتربطيها بحبل ،يلا قوااام !
نفذت زينب سريعًا وأخذت جود لتفعل بها ما أمرها سيدها به وما إن ابتعدت عن أنظاره حتى هتفت لجود :
مش جايبلنا غير وجع القلب ،انجري معايا !
…..
دخل الصقر غرفة مكتبه يدخن بشراهة ويحتسي الخمر وهو يفكر ثم تناول هاتفه ليتصل بسراج ،وفور أن رد عليه هتف به صائحًا :
أنت فين يا زفت ،تيجي حالًا يلا قدامك عشر دقايق بس !
أغلق الهاتف دون إضافة كلمة أخرى ورماه دون اكترث وبه شحن غضب كبير لا يعرف ما سببها !

وبعد قليل أتى إليه سراج مهرولًا ،فنظر له الصقر بوقاحة وقال :
طبعًا قالك تجبهالي صح !
حملق سراج بعينه لكنه فكر وقال :
أيوة يا باشا ، هو إيه اللي في دماغ ساعدتك ؟
خاطبه الصقر بنبرة غامضة كبيرة :
بعدين هتعرف المهم تنفذ اللي هقولك عليه بالحرف !
…………………………………………………….
علم الجميع بخبر موت بهية حيث لم تتحمل ألم الجلدة من وقتها فماتت وكأنها ارتاحت من عذابهم وكانت ابنتها تعتصر ألمًا وأقسمت على النيل من الصقر وأخذ حق والدتها منه قائلة :
والله لأخليك تدفع التمن ده غالي وأنهيك بإيدي !
جميع أهالي القرية باتو حزنين على تلك المسكينة وكل واحدة اتخذت مبدأ أن تتجنب أي خطر يؤدي بها وتلتزم أكثر ،فأصبحت القرية أكثر مبدأ للعبودية فقط !
….
كانت سلوى تجلس أمام سراج تنظر له بطريقة مايعة وقالت وهي تميل عليه :
خلي بالك شكله شاكك فيك !
حاوطها بذراعيه وقبّلها في جبينها وقال :
لا زي ما قولتلك على حسب اتفاقه ده توقع كده ،لكن شريف مخطط كويس ،وكلها كام يوم والصفقة تتم ونخلص منه تمامًا وابقى مكانه !
لمعت عيناه بخبث ونظرت له سلوى راجية ما قاله…
…………………………………
دخل الصقر نحو غرفة جود فوجدها نائمة بهدوء وآثار كدماته منحفرة عليها ، فأتى بذلك الوعاء الممتلئ الماء وسكبه عليها ، حتى انفضت شاهقة لتجده واقف بكل برود وغطرسة فتنفست مختنقة حتى شال عنها الكمامة وقال بلهجة آمرة مشيرًا بسبابته :
اسمعيني كويس ،هتنفدي اللي هقوله ولو فكرتي تقولي لاء ،هجبلك أمك وأقتلها قدام عينك !
عجزت جود عن الحديث واكتفت بإرسال نظراته الغاضبة لديه !
أكمل الصقر وهو يمسك بخصلات شعرها يحركهم بطريقة استفزازية :
بس الأول يا حلوة ،لازم تتغيري وتبقى حد تاني بيعرف يتكلم مش جاهلة !
كانت تريد قطع يده الممسكة بشعرها لكنها مقيدة فأزاحت برأسها تحاول أن تبعد يده فقبض عليها بقسوة أكثر لتتألم وتظل صامتة ليهتف مقتربًا منها للغاية :
متستعجليش ، كل حاجة في وقتها حلوة يا ملاك الهنا !
تقززت جود وظنت أنه سيقبلها لكنه لم يفعل وتركها وانصرف مطلقًا صفيرًا مريبًا
لتهتف جود باثقة نحوه :
أنت شيطان !
……………………………………………….
نزل الصقر نحو ذلك المكان المعتم وأضاء مصباحه ،ليجد ذلك الرجل العجوز الراقد بتحسر وآثار جراحات بادية عليه ،تقدم منه وجلس قبالته ليهتف ذلك الرجل وقال :
ليه بتعمل معايا كده ؟ ،وليه وقفت قتلي لآخر لحظة فهمني !
نظر له الصقر ولم يتكلم ثم تحدث بعد برهة غير مبالي به :
فيك شبه من حد أعرفه من زمان أوي ،ومتسألش أسئلة ملهاش لازمة كتير ،وإلا فعلًا هقتلك !
لم يرد الرجل لكن الصقر تابع متسائلًا بصوت أجش :
أكلت ؟!
أومأ برأسه وقال :
أيوة ،واللي مستغربه تصرفك ده
تنهد الصقر وقال بنبرة بادرة صارمة:
اسكت واتفرج وبس !
اقترب منه الرجل وقال بنبرة لاهفة :
طب خليني أشوفها لو فيك رحمة فعلًا !
نظر له الصقر نظرات مخيفة جعلته يرتعد ويصمت تركه الصقر وحيدًا يهتف :
يارب نجيني من شر الناس دول !!
………………………………………………………………….
………..

error: