في قبضة الطاغية الفصل الخامس
في قبضة الطاغية
((الفصل الخامس))
_..وقت ما كان يتحدث الصقر في هاتفه كانت أذنه تعمل في سمع خطوات جود ،استطاع بكل سهولة أن يميز خطواتها فعلم أنها ستفعل شيئًا ما ،ومن دون أن تشعر وبطرف عينه رآها تتجه نحو ذلك الساطور، فتبسم ساخرًا من محاولتها الفاشلة وانتظر تفعل ما تريده وتظاهر بالاهتمام بحديثه بالهاتف، وبعد لحظات وجدها تقترب بخطواتها نحوه فوجدها تصرخ وهي تكاد تسقط الساطور فوق رقصه :
هقـــــــتلك !!!
في لمحة البصر التفت وأمسك بيدها الممسكة بالساطور لكن لسوء حظه أن الساطور قد هوى على يده فأحدث جرحًا عميقًا نظر لها شزرًا واللهيب يتطاير من عينه فأوقعها للخلف لتسقط أرضًا متألمة في حالة يأس من خطتها التي فشلت ، أما هو فنظر ليده لكنه لم يعبئ بها وتحامل ألمها ، لينظر لها قائلًا بنبرة وعيدة وهو يشير على يده الجريحة:
هتتدفعي تمن ده غالي جدًا !
ارتعدت واخذت تبكي بصمت ليقوم بالنداء على حارسه الخاص ثم يأمره بأخذها نحو السجن الانفرادي ،فيقوم الحارس بجرها وشدها وهي تبكي وتصرخ قائلة :
ربنا ينتجم منك وياخدك !
ظلت عيناه واجمة حتى اختفت عن أنظاره فزفر بتمهل وهو يفكر في الخطوة التالية ليترك القصر بالكامل متوجهًا إلى مكان آخر !!
………………………………
أخذت تلك الفتاة تركض برشاقة في حديقة منزلها وفي أذنها تلك السماعات الصغيرة ،ظلت تركض قرابة النصف ساعة حتى تعبت وجلست أرضًا تأخذ أنفاسها وبعد برهة أتى ذلك الشاب الطويل بطريقة مرحة ومن دون أن تشعر الفتاة أمسكها من شعرها ينعكشها وأخذ السماعات منها ،ثم أخذ يضحك عليها بشدة بعد أن فزعت وأخذت تنظر له بغيظ كبير …
_هتفت تلك الفتاة بانزعاج جلي وهي تضربه على كتفه :
وبعدين معاك يا مالك مش هتبطل سخافتك دي ، أووووف !
توقف مالك عن الضحك ثم جلس بجانبها يناغشها قائلًا :
أنتِ عارفة بقى مش بستحمل !
نظرت له بغيظ ونفخت ثم أدارت وجهها الناحية الأخرى معلنة عن تذمرها ، نظر لها مالك مبتسمًا على منظرها ثم توجه قبالتها وقبّل رأسها قائلًا بحنان :
متزعليش بقى يا مليكة ،ده أنا العشق يا بت !
ابتسمت مليكة رغم عنها ثم نظرت إلى تلك النسخة المشابهة لها تمامًا ثم هتفت قائلة :
خلاص ياعم ،هسامحك لو جبتلي حاجة يلا بقى !
ضيق مالك عيناه ومط شفتيه مفكرًا ثم أخرج تلك العلبة من وراء ظهره وقال بنبرة مسلية :
ومن ضهري جبتلك أحلى هدية أهو !
ضحكت مليكة بشدة ثم احتضنته قائلة :
أحلى مالك ده ولا إيه !
واستمرو في الضحك والمسامرة حتى وقت طويل لتأتي عليهم كوثر وتبتسم له ثم تقول :
يلا يا ولاد الغدا جاهز وجدكو مستني
وقف مالك تبعته مليكة ثم هتف مالك مومًأ برأسه :
تمام يا أمي جايين أهو !
………………
“مالك رحيم سالم الأسيوطي ، ابنًا لكوثر ورحيم ،هو شخص مرح لأبعد الحدود لكن يتميز أيضًا بالجدية التامة في بعض الأوقات ،يكون عمره خمسة وعشرين عامًا، يعمل لدى شركة ال سالم للمجوهرات مع والده رحيم بجانب دراسته في كلية إدارة الأعمال ، وهو متفوق في عمله دومًا يظهر براعته في كل ما يفعله ،وهذا ما اكتسبه من جده الذي رباه على الجدية والمثابرة !
……
“مليكة رحيم سالم الأسيوطي ،هي توأم مالك بهما نفس الملامح باختلاف لون العين فلون عين مالك من اللون الزيتي ،أما مليكة فلونها رمادي فاتح ، مليكة تدرس في آخر سنة لها من كلية الطب تخصص أطفال ،فهي تحبهم بدرجة كبيرة ،تتمتع مليكة أيضًا المشاغبة والروح الطلقة ،تعشق أخيها للغاية فهو بنسبة لها نصفها الآخر ،خُطبت لشاب زميلها في الجامعة لكن تخصص جراحة ،بعد أن أحبته لكن تكره طبعه العصبي ، تحب جدها كثيرًا وتعتبره مثلها الأعلى وهي بطبع لا تعي شيئًا من أفعاله وقصة والديها !
………………………….
اصطّفى الجميع حول المائدة بعد أداء التحية لسالم ،شرع الجميع في تناول طعامهم ثم نظر سالم إلى مليكة قائلًا :
خطيبك مجاش ليه ؟!
ابتلعت مليكة ما في فمها ثم قالت على الفور مبررة :
الامتحانات قربت يا جدو وهو شغال مذاكرة جامد !
تفهم سالم حديثها ثم هتف مكملًا :
بعد ما نخلص غدا تتصلي بيه وتديهولي !
أومأت مليكة برأسها مجيبة :
حاضر يا جدو !
ثم عاود النظر نحو مالك الذي كان منشغل بالطعام بشراهة ثم قال :
وأنت مش ناوي تخطب يا عم الطفس !
بدأ مالك بالكحة بعد سماعه لكلمات جده فهو يبغض تلك السيرة ثم هتف متذمرًا :
مظنش دلوقتي يا جدو
زفر سالم منزعجًا وهو يحاوره قائلًا :
امتى تعقل بس وتشيل اللي في راسك وتفكر من جديد !
نظر رحيم إلى أبيه ثم هتف:
سيبه يا بابا هو عارف مصلحته كويس !
تنفح سالم ثم وقف وقال :
شبعت سديتو نفسي !
تركهم وسط نظراتهم المحيرة ووسط نظرات مالك الغاضبة الذي قام هو الآخر وتبعته ملكية لتتصل بخطيبها ، أما رحيم وكوثر فبقو وحدهم يتناولون طعامهم بصمت ليزعجها رحيم :
اللي يشوف الولاد وهما كده ميقولوش ابدًا إنك اللي ربتيهم !
تنفخت كوثر ثم هتفت قائلة :
وبعدين يا رحيم مفيش مرة تسبني متهنية !
وقف رحيم وغادر غرفة الطعام وهو يتمتم :
جتك البلا !
…………………………………..
في قصر الصقر …
جلست جود وحيدة في هذا الظلام الدامس وهي تتذكر والدها وأمها التي اشتاقت لها كثيرًا وكم ذاقت في حياتها من أسى فهي لم تعش ولا يوم بدون تعب أو عناء ،دومًا السعادة هاربة من حياتها وأصبحت الأن وحيدة خائفة من بطش ذلك الانسان ،إن كان حقًا أنسانًا
وجدت ذلك الباب ينفتح فارتعدت وتراجعت للخلف لتجد زينب والحارس الخاص بالصقر الذي أبلغها بطريقة حادة :
الباشا إدى أوامر بإن زينب تظبتلك حالك ده عشان أنتِ وهو خارجين وأي معارضة منك هيكون العقاب عسير !
لم ترد جود بل كانت في حالة بائسة فتقدمت منها زينب وأخذتها بقوة لتهندمها من جديد وسط سكونها المنطفئ !
…………………….
جلس ذلك الرجل شاردًا واجمًا منتظر أحدهم حتى لمح هذا الرجل الكبير والوقور يجلس بجانبه مبتسمًا ثم هتف قائلًا بحنان :
ازيك يا غيث ؟
نظر له غيث بنظرات باردة ثم هتف بنبرة قوية :
تمام !
تنهد ذلك الرجل ثم قال :
غيبت عليا الفترة دي أوي !
حدق غيث في الفراغ ثم قال بشيء من عدم الاكتراث وهو يخبئ يده اليسرى بحيث لا يراها عدلي :
مكنش في وقت معايا ،ورايا ترتيبات مهمة !
-طب طمني عنك يا بني عايش إزاي وفين وبشتغل إيه ، ده أنا عمك وخايف عليك!
نظر إليه غيث بنظرات مستهزئة وساخرة ليهتف قائلًا :
عاش يا عدلي بيه والله ،كفاية إني سمحتلك تدخل حياتي وتكون جزء منها وبخليك تقابلني وتطمن عليا أكتر من كده متحملش !
ثم أكمل بنبرة فظة :
وبعدين قولتلك مليون مرة حياتي محدش يعرف عنها حاجة ومش هسمح لا ليك ولا أي حد من طرفك يدخل فيا ويعرفني أساسًا ، وبطل تقولي عمك وبتاع عشان ده مش حقيقي !
زفر عدلي وهو متريث لحالة غيث ويعلم أنه عانا كثيرًا لذلك هتف قائلًا :
ماشي يابني أنا مش هضغط عليك ،صح كفاية عندي إني أطمن عليك وأشوفك بخير !
تنهد غيث ونظر له ثم باغته بسؤاله المفاجئ :
هي عاملة إيه ؟
فهم عدلي من يقصد لذلك قال :
هي كويسة يابني ومحتاجلك أوي رغم كده الهم مش سايبها ورحيم وسالم مش سايبنها في حالها !
أكمل عدلي متمنيًا الذي في باله يحدث:
غيث يابني فكر مرة تانية وخليني أكلمها من غير ما حد يعرف وتشوفك وآآ…
قاطعه غيث بعصبية شديدة وقال بنبرة حادة للغاية:
كفاية لحد كده، شوفتني واطمنت عليا أهو ،لازم امشي ورايا شغل مهم !
تركه وانصرف سريعًا دون إضافة كلمة أخرى وسط نظرات عدلي المتحسرة عليه :
ربنا معاك يا غيث !
……………………………………..
تحدثت مليكة مع خطيبها ماجد وهي تخبره عن جدها وأنه يريد محادثته فقال الاخر بنرفزة غليظة :
مش هخلص بقى منه ، عايز إيه تاني ما كان يقولك وتقوليلي !
تنفست مليكة كاتمة غضبها منه قائلة :
ماجد بليز متتكلمش كده عن جدو كم مرة قولتلك ده ،وبعدين هو محدش يقدر يعارضه في حاجة وأنا بنفذ وخلاص
-عشان غبية !
قالها بعصبية شديدة مما جعل مليكة تتفاجأ قائلة :
إييه !!
أدرك ماجد نفسه ثم قال بنبرة متريثة :
مش قصدي يا حبيبتي بس يعني ابقى حاولي تصرفي نظره عن كده !
زفرت مليكة وقالت وهي تتجه نحو مكان جدها :
طب خد كلمه بقى دلوقتي !
-صبرني يارب !
توجهت مليكة نحو جدها وأخبرته أن ماجد منتظره على الهاتف فأخذ منها الهاتف على الفور وتركها وسط ذهولها ليتحدث براحته !
…………………………………………………..
كان ذلك الشاب ذو التاسع والعشرين من عمره يقف بشموخ وسط تلك النافذة التي تطل على هذا المنظر الخلاب وهو يتنهد ويفكر بحزن ،ثم نزل من منزله ليقابل صديقه في تلك البلد الغريبة ” لندن” ليجده منتظره في ذلك المقهى ،سلم عليه ولاحظ صديقه علامات الحزن على وجهه فهتف قائلًا :
خير يا باسل مالك !
تنهد باسل ثم قال بنبرة عادية :
مفيش يا شريف ،عادي
-هو أنا مش عارفك يعني ما تتكلم !
قالها شريف صديقه بعد سمع تنهدات باسل الذي هتف بنبرة هادئة حزينة :
وحشوني أوي ،مش قادر اصدق إني سبتهم كده ومش عارف أرجعلهم تاني ،ومش عارف كمان إيه حالتهم وعايشين ولا لا !
تفهم شريف ثم هتف مطمئنًا :
متقلقش إن شاء الله يكونوا بخير ، وزي ما قولتلك انا نازل مصر كمان أسبوع وهحاول اعرفلك أخبارهم
قال باسل بشيء من الأمل :
ربنا يكرمك ويفرحك يا شريف !
……………………………….
عاد الصقر إلى قصره وقام بالنداء على زينب التي أتت بجود بعد أن هندمتها من جديد ،ليجدها بذلك الجمال فيفكر بها أكثر ، تقدمت منه جود وبقت بمفردها بعد أن تركتها زينب، ليمسكها الصقر بقوة من رغسها ويقول بنبرة عنيفة :
حركتك دي مش هناسها وليها حساب عسير بس نخلص من النهاردة !
نظرت له بنظرات احتقارية ولم تتكلم ليقول لها :
اللي جي في حياتك عمرك ما هتتخيليه يا …يا جـــــــود !!……………………………