رواية نابش القبور
نابش القبور ( الجزء الثاني )
انصرفت لإعداد الطعام و عندما خرجت من المطبخ و هممت بالنزول لأخبر أبي أن الأكل جاهز ، سمعت تلك الأغنية مرة اّخري .. ” مع أمي أصحو و أنام ، مع أمي تصحبني الأحلام ” .. اعتقدت أن الصندق به عطل مجددا و عندما دخلت الحجرة لأغلقه وجدت نفسي في غرفة اّخري ..
كاد الذهول يقتلني فركت عيني مراراً و تكراراً لأتأكد أني لا أحلم فوجدت نفسي في غرقة أكبر بكثير من غرفتي ، تكاد تكون ضعف مساحتها متصلة بشرفة أيضاً لكنها أكبر و في منتصف الغرفة سرير كبير جدا عليه مفروشات ورديه اللون من الحرير و بجانبه تسريحة يقع أمامها كرسي هزاز و الغرفة مبطنة بورق حائط به زهور .. كأني دخلت غرفة من القرن الماضي او في حقبة الثمانينات ، دخلت الغرفة و أنا ارتجف من الخوف ادعو الله في سري أن تكون تلك هلوسة بسبب شدة الإجهاد من المذاكرة .. لأني مازلت اسمع ذلك الصوت المنبعث من الصندوق الموسيقي ، دلفت إلي الشرفة و لأول مرة اتمني أن اّري تلك الحارة بمشاكلها .. كانت رؤية عم عبده صاحب القهوة يتشاجر كعادته مع الزبائن أمنية لي لأتأكد أني لا أحلم .. و لكن ما راّيته جمد الدم بعروقي ، فرأيت نفسي أطل علي حديقه قصر جميلة بها الكثير من أشجار الفاكهة و بها نافورة مياه جميلة ، دلفت مجدداً إلي الغرفة حين سمعت نفس الصوت مرة اّخري ” مع أمي اصحو و أنام ، مع أمي تصحبني الأحلام “
و لكن ذلك الصوت لم يكن يأتي من الصندوق ، بل كانت أمرأة قد تجاوزت العقد العشرين تجلس علي الكرسي الهزاز أمام التسريحة و تحمل رضيعها و هو يبكي و تغني له تلك الأغنية ، كنت أحاول أن اتفادي تلك المرأة حتي لا تراني و لكن يبدو أنها لا تراني كأني شبح مع اني كنت اقف أمامها تماماً و لكنها لم تلحظني حتي! ، يا الله كانت تشبهني كثيرا و تلك الطفلة التي تحملها ترتدي قلادة ذهبية مثل قلادتي .. يبدو أنني حقا أحلم فقد يكون ذلك المستقبل و انا أم تلك الطفلة الرضيعة .. و قد يكون ذلك الماضي و تلك أمي و انا تلك الطفلة و لكن أبي لو سرق قبور مصر كلها لن يستطيع أن يشتري ذلك القصر .. قطع خيالاتي المراّة المتصلة بالتسريحة فأنا لا أظهر بها كأني شبح حقاً .. فهي تعكس صورة الأم و الطفلة فقط ..
ثم دخل من باب الغرفة رجل اصلع قليلا من المنتصف لديه شارب كبير و يرتدي بدلة من الطراز القديم و هو أيضا يبدو أنه لا يراني وجه كلامه للأم و قال لها ” نهارك سعيد يا أميرة ، هي بردو مُني مش عاوزة تسكت غير لما تغني .. مش هنعرف نخرج و نسيبها للمربية بالشكل ده ” .. ردت عليه بيأس و قالت “خلاص اخرج انت يا باشا و انا هقعد معاها ” .. يبدو أن هذا زوجها و بدا عليه التعاطف معها لأنها لن تستطيع الخروج معه.
فقال لها ” بس أنتي لابسة و جاهزة ” فكانت أميرة ترتدي فستان جميل من اللون الوردي مزخرف بالدانتيل الأبيض وواسع قليلا من عند القدم .. ردت أميرة بحزن ” المهم مني تكون كويسة و مرتاحة ” فاقترب الرجل من الرضيعة و حملها و قبلها و قال لها ” لو تعرفي يا مشاغبة انتي بنحبك ازاي ” ..
ثم بدأ الظلام يحل ، فاًصبح كل شيء أمامي يغلب عليه اللون الأسود .. و لم أعي لنفسي غير و انا ملقاة في الأرض و صوت ابي يحاول أن يُعيدني لوعيي ، يبدو أني فقدت الوعي من شدة الإجهاد ، و كان هذا مجرد حُلم .. قلت لأبي لا تقلق يبدو أني متعبة فقط .. نظر أبي للصندوق علي المكتب و هي يحاول أن يساعدني لكي ارتاح علي السرير و قال لي ” قلتلك بلاش تتعبي نفسك في المزاكرة ” ، لكن نظرته للصندوق لم تريحني .. نظرت للغرفة و ارتحت كثيراً اني عدت لها و أن الموضوع لم يكن أكثر من حلم غريب ..
في اليوم التالي استيقظت و بدأت روتيني المُعتاد لأذهب للجامعة ، حين دلفت من غرفتي و فتحت باب الشقة لأنزل علي السلم وجدت نفسي علي سلم غريب كله من المرمر الأبيض و يتوسطه سجادة كبيرة باللون الأحمر .. بدأت أتحدث إلي نفسي هل أنا جُننت أم ماذا ؟! .. هل أنا أحلم من جديد لماذا تلك الأحلام تراودني ؟!
نزلت علي السلم و انا أحلم أن أجد نفسي أمام محل بقالة أبي ، كنت أُحدث نفسي يجب أن أستيقظ .. يجب أن استيقظ و لكني وجدت نفسي في بهو قصر كبير جدا
كله من الرخام المرمر و به اثاث غالي الثمن حجرة الجلوس من الطراز القديم -المُدهب- و حجرة الطعام بها نجف بلور غالي جدا .. و الأبواب من الزجاج تطل علي نفس الحديقة التي رأيتها و النافورة.. لو لم يكن ذلك غريباً جدا لكنت استمتعت بجمال القصر، ثم ظهرت تلك السيدة التي تشبهني من جديد لكن تلك المرة كانت تردي فستان أنيق باللون الأزرق الفاتح و تحمل طفلتها التي ترتدي فستان من نفس اللون .. كانت الطفلة تصرخ كعادتها لكنها بدأت في الهدوء عندما بدأت الأم في الغناء من جديد كان يبدو عليها الإجهاد ، قطع تفكيري دخول نفس الرجل من جديد – والد الطفلة – فدلف من الحديقة إلي الباب الزجاجي ثم إلي البهو ، و كان يحمل في يده هدية مغلفة بورق مزخرف حين فتح الهدية ، و جدت بداخلها نفس الصندوق الموسيقي .. يا الله انه هو الصندوق الذي في غرفتي انه ملكي .. حاولت أن اتكلم لكن لا أحد يسمعني ..
قال الرجل لتلك المرأة ” شوفي جبتلك ايه ؟! ده صندوق موسيقي يسمحلك تسجلي عليه حاجة لمدة 3 دقايق .. تقدري تسجلي صوتك و انتي بتغني ، عشان لما نخرج مني متعذبش المربية و تفضل تعيط و شوفي كمان نقشت عليه اول حروف من اسامينا اميرة و مني و يس و اول حروف من اسامينا كونت كلمة ” امي” .. خفت كثير اّنذاك لأن صندوقي ايضا منقوش عليه كلمة أمي و لكن بحروق متقطعة ليست متصلة و كنت دائما اسئل نفسي لما الحروف منفصلة ، يبدو أن عقلي ينسج لي قصة خيالية .. ثم انتبهت و الأم تسجل علي الصندوق تلك الأغنية و بمجرد أن انتهت قامت بتشغيل الصندوق فإذا العروسة تخرج و تبدأ بالرقص و تبدأ الأغنية ، كانت الطفلة تنظر للعروسة و تضحك و تحاول ان تسقف لها بيداها الصغيرتين .. كان والدها و والدتها يضحكان علي ضحكها .. قامت الأم بالابتعاد عنها لكي تراقب رد فعلها ،و لكن الطفلة ظلت تحدق بالصندوق وتضحك و لم تنتبه لغياب الأم .. قال والدها ” و اّخيرا هنقدر نخرج لوحدنا ” !
بدأ صوتهم بالابتعاد و بدأ الظلام يحل مرة أخري و كالعادة استفقت علي صوت أبي ووجدت نفسي مُلقاة علي سلم بيتنا و أبي يحاول أن يحملني و بعض أهل الحارة يحاولون المساعدة .. فوجدت الست هنية جارتنا تحاول أن تجعلني أشم رائحة البصل لأستعيد وعيي .. و حملني أبي للسرير و شكر أهالي الحارة .. و قال لي ” لا مبدهاش بقي أنا لازم أشوفلك دكتور و كان مصر علي ذلك و لكني اخبرته أني انزلقت علي السلم و فقدت الوعي و انا الاّن بخير ” .. ظل أبي ينظر للصندوق بخوف و لكن تلك المرة انا أيضاً كنت خائفة فمسكت الصندوق و نظرت للحروف المنقوشة عليه و كان بالفعل نفس الصندوق الذي حلمت به ..
و مر يومان لم يتغير فيهم شيء سوي أبي الذي انطوي علي نفسه و لم يكن كعادته فلن نعد نسهر سويا و لم يكن يقص لي أي شيء ، حتي الطعام لم نعد نأكل معا كعادتنا .. و لكن تلك الليلة أصررت عليه أن نأكل معاً فلم يمانع ، و بمجرد أن هممت بالجلوس علي كرسي السفرة ، وجدت نفسي أجلس علي كرسي السفرة في بهو نفس القصر ..
الاّن الأمور خرجت عن السيطرة يبدو أني مصابة بالإنفصام بدأت اخاف حقا ، فوجدت نفسي بجانب تلك السيدة و ذلك الرجل و لكنهما لا يراني ككل مرة و تلك الطفلة الرضيعة تجلس فوق السفرة و تلهو بصندوقها الموسيقي ، و لكنها بدون قصد اطاحت بالصندوق من فوق المنضدة .. صرخ الرجل و قال الصندوق يارب ميكون اتكسر ، بدأت الطفلة في الصراخ مجدداً ، حملتها والدتها و قام والدها بإحضار الصندوق و هو يقول لحسن الحظ لم يحدث له سوي شرح في القفل و قام بوضع الصندوق أمامها و قام بتشغيله و عادت صوت الأغنية من جديد و بدأت الطفلة بالهدوء و الضحك ، و بدأ الظلام يعود لي مرة اّخري .. و حين فتحت عيني وجدت نفسي ملقاة علي كرسي السفرة و ابي يحاول أن يعيدني للوعي ، بمجرد ما فتحت عيني قمت أركض كالمجنونة و أبي ورائي و أنا اصرخ بأني مريضة نفسية أنا اّري أشياء غريبة و ركضت نحو غرفتي و حملت الصندوق فوجدت به شرخ في القفل ، لم يكن ذلك عقلي الباطن لإني لأول مرة ألحظ ذلك الشرخ بالقفل .. كان أبي ورائي أمسك مني ذلك الصندوق و قال لي .. كله من الصندوق الملعون ده أهو رجعلك تاني ، كنت مصدقت خلصت منه أصل الصندوق ده .. يُتبع !