رواية “حصنك الغائب”
الفصل الثالث
“يا ماما افهميني، أنا مش قادرة اكمل معاه”
نظرت دُرة لابنتها مذهولة مما تقوله:
إنتي اتجننتي يا بلقيس؟ فجأة كده؟
وبعدين ده وقته. الولد عندنا، وانا شايفاه بيحاول يراضيكي بكل الطرق. يزيد راجل تتمناه اي واحدة، بلاش تكوني غبية وتضيعيه من إيدك عشان كلام فارغ!
هتفت مبررة: حاولت يا ماما اقرب واحس بيه مش قادرة، يزيد مافيهوش أي حاجة عجباني ولا شداني صحيح محترم وبيحبني زي ما قلتي، بس ماهو طبيعي يحبني، في ميت سبب يخليني فتاة احلامه، زي ما انا حلم شباب كتير وانتي عارفة..!
أشارت بتحذير: إياكي يابنتي والغرور، لأنه فيه هلاكك! جمالك مش دايم، و يزيد أصيل وبيحبك بكل حالاتك، ولو الزمن مال بيكي هتلاقي راجل حقيقي يسندك في زمن مبقاش فيه زيه كتير!
واستطردت ببعض اللين: إسمعيني يا بلقيس، أنا وابوكي مش قصدنا ابدا نفرضه عليكي.. لكن احنا شايفين اللي انتي مش شايفاه.. احنا بنهديكي هدية، أدي لنفسك فرصة حبيبتي وحاولي تبصي جواه، صدقيني لو شيلتي غمامة المظاهر الخداعة من على عينك هتشوفي فارس شهم قلبه يتاقل بالدهب!
أبى عنادها أن يستجيب، وقرارها صار حتمي:
_ ماما لو سمحتي، ماتحاوليش تقنعيني.. وأكيد مش كل اللي حوالية زي ما بتقولي كده.. وكأن مافيش راجل في الدنيا زي يزيد..أنا من حقي أرتبط بحد يطابق خيالي ويزيد بعيد أوي يا أمي عن اللي بتمناه، أنا حاولت عشانكم، بس أكبر غلط أستمر بالإحساس ده.. وأكيد ومش هتجوز مجاملة!
وواصلت تبريرها: من مصلحتنا ننتهي على كده، يزيد مش مناسب ليا يا أمي، مظهره ولبسه بيعصبني! رغم إنه مش فقير لكن مابيحاولش ابدا يكون أحسن! أنا بقيت اسمع تريقة البنات بوداني اما بيشوفوه يجي ياخدني من الجامعة.. من حقي اتباهى بخطيبي.. خصوصا إني……… !
” أخرسي”
نهرتها بقسوة، ثم رمقتها بعتاب:
_ المظاهر سهل نغيريها في أي شخص خصوصا لو مالكين قلبه، لكن عيوب الطبع والروح هي اللي مستحيل حد يغيرها.. ويمكن هو انتظر إنك تبادري عشان يحس إنك بتتحركي ناحيته وبتبذلي مجهود، وهو كان هيستجيب ليكي لأنه بيحبك وكان هيفرح باهتمامك، بس انتي اعتبرتيها حجة ومبرر يخلصك في الوقت المناسب!
اخجلها تعريها أمام والدتها، هي بالفعل أرادت أن تدخر من سوء هندمته حجة دامغة تدعم قرارها لوالديها، ورغم هذا لن تتراجع.. يزيد لا يليق بها گفارس أحلامها.. ولا ترى في قرارها عيبًا أو قسوة، بل الوضوح أكرم في تلك الحالة.. والزمن سيثبت لهم وجهة نظرها.. هتفت أخيرًا لتنهي هذا الجدال:
_ كفاية يا ماما كلام لحد كده.. أنا خلاص أخدت قراري، وكل واحد مسؤل عن نفسه، أنا مابحبوش وده مش ذنبي ولا حتى ذنبه، هو ابن عمي اللي بحترمه، بس مش أكتر من كده.. وبكرة ينساني وياخد واحدة يحبها وتحبه..ده حقه انه يتحب.. مش إني اخدعه واتجوزه مجاملة.. أرجوكي اتصرفي مع بابا.. وخلصيني من الخطوبة دي في اقرب وقت! أنا بقيت حاسة بعبء شديد، مش عايزة امثل أكتر من كده”
حدجتها بألم غير راضية عن قرارها، ولكن ليس بيدها حيلة، فهتفت باستسلام:
ربنا يستر وينتهي الموضوع من غير مايرزع فجوة “جفا” بنا وبين يزيد وأهله! ويفرق العيلتين، ويقويني أوصل قرارك لابوكي اللي أكيد هيزعله..
هتفت بلقيس : أكيد هيتقبلوا الأمر ببساطة، واحنا مش أول اتنين تتفسخ خطوبتهم يعني يا ماما..!
وواصلت وهي تهم بالمغادرة: أنا هروح اشوفه بره على ماتيجي، هو قال هيركن العربية ويحصلني!
والدتها بتحذير أخير: ماشي بس بحذرك تعرفيه حاجة دلوقت، سيبي ابوكي يحل الموضوع ده!
_ ماتقلقيش، اصلا معنديش الشجاعة اقوله حاجة زي دي، عشان كده كلمتك!
………………… ..
ما أن عبرت الممر المؤدي لخارج المطبخ، حتى اتسعت عيناها بذهول وهي تطالع وردة حمراء ملقاه أرضًا وقد بدا أن احدهم اعتصرها بين يديه بقسوة، فتمزقت أوراقها وتناثرت.. عبس وجهها وأدركت خطأها الفادح.. يزيد استمع لحديثهما.. ليتها تروت وانتظرت مغادرته! لم تكن تريد جرحه بهذا الشكل!
ولكي تكتمل الطامة، وجدت والدتها خلفها تهتف بغضب هادر:
_إيه رأيك في اللي عملتيه ده يا بلقيس؟! جرحتي شاب بيحبك بمنتهي القسوة.. طب كنتي اختارتي الوقت والمكان المناسب ياغبية.. مش تكلميني وهو جاي معاكي.. وواصلت بأسف: ياخوفي يابنتي تندمي بعد ما يكون فات الآوان!
دُرة وهي تربت على كتف زوجها بمواساه لحزنه من ترك ابنته ليزيد، والطريقة التي علم بها الأمر:
روق يا عاصم،كل شيء نصيب في الأخر.. وربنا يعوضهم احسن من بعض!
التفت لها متمتما: كان نفسي تفهم يزيد وتقدره، ده أكتر إنسان كنت هطمن عليها معاه لما ربنا ياخد أمانته!
قالت بجزع: بعد الشر عنك يا حبيبي، ربنا يطول في عمرك وتكون دايما سندنا في الدنيا.. أوعي تتكلم بالطريقة دي تاني..
وواصلت: يمكن احنا بدون قصد ساهمنا في الغلط ده يا عاصم، بلقيس عمرها ما مالت ليزيد، انا وانت غسلنا دماغها عشان توافق، وهي وافقت عشاننا.. اللي حصل ده كان لازم هيحصل، ويمكن دلوقت أفضل من بعدين، محدش عارف الخير فين لكل واحد فيهم!
تنهد معربًا عن ضيق نفسه: طب واخويا أدهم؟ خايف اخسره ويزعل مني ويقاطعني! وكريمة مراته أكيد هتتقهر عشان ابنها وهتزعل عشانوا..! ومقدرش الومها..!
_ اطمن يا عاصم، أدهم اخوك عاقل، ويزيد نفسه مش هيسمح بكده.. لكن الخوف فعلا من كريمة، هي اللي هتحتاح وقت تتقبل اللي حصل.. ودي مهمتي معاها.. هفضل احاول لحد ما ارجع علاقتنا بيها تاني!
بش هنتظر تهدى الأول مع نفسها..!
اومأ برأسه وغامت عيناه مردفًا: ربنا يسترها..!
بأحد الكافيهات العامة!
يطالع العم عاصم بنظرة يشوبها التعاطف، هو يدرك أن الأمر لم يكن علي هواه وثقيل على نفسه.. وأكثر ما أساؤه، أن يرى الخجل بعيناه! هتف بمرح زائف لتهوين الأمر: أيه يا عاصم بيه، أنت مش ناوي تعزم ابن اخوك على قهوة ولا أيه؟ لو مش معاك فلوس قول ماتتكسفش!
أدرك محاولته لتلطيف الأجواء، فازداد بعينه قدرا ومعزة، كما تعاظم ضيقه من موقف ابنته الحمقاء، أين ستجد قلبًا طيبا ملائكيًا گ يزيد!
تمتم العم: أنت أكيد عارف يا يزيد أنا بحبك قد إيه!
يزيد بصدق: وحضرتك كمان ياعمي عارف قيمتك عندي، أنت والدي التاني.. ومافيش حاجة ممكن تزعلني منك، اللي حصل بيني انا وبلقيس أسمه قسمة ونصيب.. لكن علاقتي بيك مالهاش دعوة. ولا مرهونة بنسب، علاقتنا أكبر من كده! مافيش حاجة هتتغير ابدا.. هتفضل عمي اللي بحبه، وهفضل ابنك زي ما دايما بتعتبرني، وابن عم لبلقيس.. مافيش داعي للحساسية دي، وأوعي ياعمي مهما حصل توطي راسك تاني اما تشوفني، ماعاش ولا كان اللي يخليك تبص في الأرض، انت كبير اوي! وانا قادر افصل الأمور كويس.. ابنك مش صغير!
ترقرقت العم عيناه متأثرًا بتهذيبه الجم، كم هو شاب رائع، كيف يمتلك كل هذا القدر من الخُلق ورقة المشاعر.. فبدلًا من أن يُخفف هو عليه الموقف..هو ذاته ما يحاول تهوين الأمر عليه.. مجددًا احترامه وحبه “گأبٍ” ثانِ له.. آآه يا ابنتي.. لو تعلمين أي قلب خسرتي!!! لبكيتي دمًا..!
ربما ينجح بخداع البعض بابتسامات ودعابات خاطفة أن أحواله بخير ولم يتأثر.. لكن لن يخيل خداعه على من تراقبه الآن خلسة من شرفته المجاورة لها، منفطرًا قلبها على ذبوله وحزنه الدفين .. يزيد أطيب أولادها وربما اقربهم.. لم يستحق ابدا ذاك الجرح.. ليتهم سمعوا لها عندما رفضت اقترانه ببلقيس..وكأنها كانت تتنبأ بنهاية مماثلة.. ابنة العم المغرورة.. لا تقدر سوى المظاهر ولا يعنيها قلب بقيمة الذهب گ أبنها الذي مازال يخبيء آلامه بين جدران غرفته، ولكن من يخدع؟!.. وهي من تحفظه وتقراؤه گ خطوط كفها المتقاطعة!
……………… ..
_حسبي الله ونعم الوكيل فيكي ياللي كسرتي قلب ضنايا وقهرتيه!!!
تمتمت بسخط أمام زوجها بعد أن عادت غرفتها، ورغم حزنه وضيقه لأجل يزيد.. إلا أنه نهر زوجته بحدة:
_ أنتي اتجننتي يا كريمة! بتدعي على بنت اخويا قدامي؟
أجابت بصوت باكي وموجوع:
أمال عايزني اعمل أيه يا أدهم، بعد مابنت اخوك سابت ابني اللي لو لفت الدنيا من شرقها لغربها مش هتلاقي ضفره، مش شايف حالته اللي تصعب على الكافر، ولا بياكل ولا بيشرب وخس النص بسببها..!
مستكتر عليا افضفض بكلمتين، والله حرام عليك!! ”
_ كل واحد بياخد نصيبه ياكريمة، محدش عارف الخير فين، يمكن جوازهم كان شر ليهم! ربنا يعوضه أحسن منها.. ويرزقها باللي تتمناه..!
أردفت بحرقة: عمرها ما هترتاح بعد ما كسرت خاطر ابني.. وبكرة تشوف! واستأنفت بحدة:
وبعدين انت هادي كده إزاي؟ ده بدال ما تعاتب اخوك علي تربية بنته ودلعهم الماسخ، أما طلعوها انانية ومغرورة وكأن مافيش في الدنيا غيرها.!
ذنبه أيه ابني تجرحه وتكسر قلبه، ماكانتش عطيته امل واتخطبتله من الأول!
أدهم بصوت هادر :
كريييمة، قسمًا بالله لو بطلتي ندب وغلط في الناس يومك ماهيعدي! أنا مش هخسر اخويا عشان الكلام الفارغ بتاعك ده لأن مالوش ذنب، وبعدين انا ابني راجل من ضهر راجل، مافيش حاجة تكسره، وهتشوفي ابنك ده هيبقى ازاي، والأيام ياما بتداوي وتنسي! وبكره ربنا يعوضه بأحسن منها..! وشغله هينسيه كل حاجة مع الوقت!
ثم صمت يلتقط انفاسه وواصل بحزم :
مش عايزك تفتحي الموضوع تاني.. خلاص مولد وانفض، وربنا يصلح حاله وحالها..!
منحته نظرة حانقة متألمة، ثم تركته لتتفقد حال ولدها المكسور مرة أخرى!
“يزيد مش مناسب ليا يا أمي، مظهره ولبسه بيعصبني! رغم إنه مش فقير لكن مابيحاولش ابدا يكون أحسن! أنا بقيت اسمع تريقة البنات بوداني اما بيشوفوه يجي ياخدني من الجامعة.. من حقي اتباهى بخطيبي..”
مازال عقله يسترجع حديثها وكلماتها تطعن كرامته وترميه بذنب القُبح! كلمات گ مطرقة حديد مشتعلة مثل جمرة! تحرقه دون رحمة..! وگأنها تعيد تشكيله من جديد لأنسان أخر، لن ينسى أبدا تلك الكلمات.. ستحفر بعمق ذاكرته، ليعلم أن بهذا الزمان لا مكان لأمثاله بضاعته غدت باخسه لا قيمة لها..! والمظاهر أضحت كل شيء.. وبات يُشترط مع الرجولة جمال! وياله من زمن! وكان يظن بسذاجة، أن قلبه وعشقه وحنانه وحدهم سيرجحون كِفته لديها.. ليتها أحبته! لو فعلت، لرآته جميلًا بعينيها..! لكنها فضلت لفظه من عالمها، وقد كان لجمالها خير حافظ.. ولجنتها خير حارس!! ولحياتها خير أمين!
ومهما أكتوى بفراقها. وطال شقاءه.. لن يستجدي وصالًا بعد الآن..! هو رجلًا وسيظل رجلًا لن يهزمه العشق ويجعله خانعًا..! قصتهم ناقصة ضعيفة گ جنين مشوه لم يكتمل نموه، وآن له أن يوئد، وتتفتت نطفته..!
………………………… ..
بلقيسُ يا ملكة.. لفظتني جنتكِ.!
وآبا جمالكِ الاقترنَ بقبحي..!
فشكرًا لجرحٍ دونه ما علمتُ..!
أني كنتُ عاشقٍ.. لتلكَ الدرجةِ دميم..!
( معقولة سبتي يزيد؟!)
ردت بلقيس ببساطة لصديقتها تيماء: أيوة.. مستغربة ليه، أنا توقعت إنك مش هتتفاجئي كده!
_ لا متفاجئة، لأن تصورت إنك مش هتاخدي القرار ده.. بس بصراحة عجبتيني، طلعتي شجاعة وبتفكري صح.. يزيد مش شبهك ولا يليق بيكي.. شوفتي البنات اما شافوه جالك كذا مرة ازاي شمتوا فيكي وفضلوا يتريقوا ويلقحوا كلام عليكي.. انما إنتي تستاهلي تاخدي واحد يحسدوكي عليه زي ما بيحسدوكي على كل حاجة
_ سيبك منهم. وكفاية كلام في موضوع يزيد.. انا بجد مضغوطة في البيت..ماما وبابا من وقتها زعلانين وده مضايقني جدا..!
تيماء: وإيه يزعلهم، هو انتي قليلة، اكيد يعني يزيد ما كانش فرصة يتزعل عليها أساسا..!
_ بس هما شايفين العكس، ماما بتقولي خسرتيه، وبابا بيقولي هتندمي! مش قادرين يفهموا ويقتنعو إن يزيد ممكن يبقى فرصة لغيري، بس مش ليه أنا..!
ضحكت تيماء: بصراحة تفكيرهم عجيب..عموما المهم إن خلصتي من الموضوع ده.. وبكرة ترتبطي براحد الكل يحسدك عليه
هتفت بلامبالاة: عادي اصلا مش عايزة ارتباط دلوقت.. خليني اركز في شغلي مع بابا بعد التخرج واتنفس شوية!
_ أيوة صحيح، أنتي هتمسكي الإدارة مع والدك في شركة القاهرة.. بما إنك اتخصصتي في ” إدارة أعمال”..بس على كده هتنتقلوا وتعيشوا في القاهرة؟
بلقيس: لا مش شرط.. لأن ماما مش عايزة تسيب المنصورة.. متمسكة بحياتها فيها.. وبابا مش عايزها تعمل حاجة ضد رغبتها، لأنها اتولدت وعاشت هنا..!
_ بصي هو اصلا المنصورة والقاهرة مش بعاد أوي عن بعض..!
_ ياستي انا مش فارق معايا بالعكس.. أنا عايزة اعوض الكبت ده واورح واجي كل يوم.. اكيد هيكون عندي حرية أكتر..!
تيماء بتفهم: عندك حق! طب يلا بقى نلحق أول محاضرة! وبعدها هعزمك على حاجة في الكافيتريا
الجزء الثاني من البارت الجمعة لإذن الله