أحببتُ العاصيِ الفصل التاسع والعشرون

أحببتُ العاصيِ الفصل التاسع والعشرون

اسم القصة : أحببتُ العاصيِ
بقلمي : آية ناصر (Aya Nasr)
الحلقة : 29

و الصاعقة هتفت بصوت مرتفع وهي تقف أمامه :
– عز الدين أنا مش هسافر لأي مكان ده بيتي ودي أرضي وأخواتي هنا و انت أجوزتني علي كدة
و بهدوء حذر وهو يعقد ما بين حاجبيه :
– أقدر أفهم من كده أيه
– عز بجد أنا مقدرش أبعد عن هنا ولو انت عوز تسافر تشوف أهلك وتيجي دي حريتك
نظر لها بنظرات قاسية وقال :
– يعني أنت عوز تبقي أنت في مكان وأنا في مكان
هزة رأسها وهي تقول بصوت هادئ غير عابئة بنظراته الغاضبة :
– عز أنا مش قصدي كده بلاش تفهم كلامي على مزاجك أنا بقولك مش هقدر أسافر هنا عالمي وأخواتي وكل شيء
– وهناك هيبقالك أنا
وارتفع صوتها أكثر وأكثر وقالت :
– مش هسافر مش عوز
وقد حسمت أمرها أذاً هي حرة و هو من الأحرار و بسرعة أتجهه إلي تلك الحقيبة التي يحملها علي ظهر و اتجه إلي دولاب ملابسه وأخذ بعض الأشياء بسرعة وهي تتابعه بنظرات متفحصة مضطربة قليلاً ثم قالت :
– أنت… أنت بتعمل إيه
وما هي لحظات حتى انتها وحمل الحقيبة على ظهر وأجابها بثبات :
– مسافر ….. أرضك شغلك أخواتك هنا وهناك أنا أختار والقرار ليكِ… سلام يا عاصي
وابتعد عنها خارجاً من تلك الغرفة بل من المنزل و للعجب من تلك الأرض برمّتها وفي الطريق كان حزين فهي لأول مرة يشعر أنها تخلت عنه مع ابسط المواقف وتخلت عنه يا الله فبعهد عنه الآن والشعور الذي يشعر به من اصعب الأشياء التي ممكن أن تمر على الأنسان ، وعودة من حديد إلي الواقع فاعتدل في جلسته وتنهد بتعب شديد وهو يهتف بخفوت :
– بتحسبني على غلطها هي أه يا عاصي أنت السبب في كل اللي وصلنه ليه
شهر…. ثلاثون يوماً وهو بالقاهرة يشتاق إليها وتشتاق إليه وكل منهم يمنعه ما يدعى بالكبرياء يقضي أوقاته مع أصدقائه القدمي و زاد عليهم عمرو عبث وسهر و سفر وهي بين أسرتها تزرع وتقلع و تهتم بمن حولها زوجته تبتعد عنه والأخرى تتقرب وتعتذر وتطلب السماح وتهتم وهو رجل والرجل لا يقبل الاهمال ولكن القدر هو القدر من أراد فك النزاع، السيدة إيمان المرشدي مريضة و جميع الأطباء يجتمعون على رأي واحد فقط عددت أيام وستفارقهم راحله و الأغرب أنهم يحثوهم بالدعاء لها بالرحم هل يدعي لأمه لكي تفارقة و بالفعل عرف الجميع وبالطبع الزوجة الأصيلة هنا جاءت لتقف بجانب زوجها الحبيب وجدها بينهم لا يعرف متى جاءت وكيف تنظر له بنظرات حزينة ولكنه ردها إليها بقسوة ولو تعلم فقط تعلم شعورة الآن لو تعلم فقط تعلم حاجته لها منذ علم بهذا النبأ لو تعلم فقط تعلم ماذا ينظرها من عقاب لرحلت فقط ترحل و كل شيء بات مستحيل فهي الأمام أمامه وفي غرفته تنظر له وينظر لها ولكن عقد العزم علي التجاهل ، أخذ منشفته واتجها إلي الحمام الملحق بغرفته في حين تابعته هي بأنضرها كادت أن توقفه ولكن أسرع إلي الداخل ، جلست تنتظره وما هي إلا لحظات وكان يقف أمامها يرتدي سروالاً منزلياً فقط لتظهر عضلات جسده العارية أمامها من ما زاد ارتباكها و التزم بتجاهلها وكأنها مازالت غائبة فاتجهت من بعدها إلي فراشة ولكنه اعترضت طريقة وهي تقف أمامه وتقول :
– عز أنت هتفضل مش بتكلمني كده كتير
نظر لها ببرود مصطنع فهو في تلك اللحظة يظهر ما يخفيه صدرة ويتجاهل هتاف قلبة ولكنه يجب أن يعاقبها فقال :
– عوزاني أقولك إيه يعني ، ممممم، إيه جابك ولا جية ليه يا عاصي
عقدت بين حاجبيها وهي تنظر إلية بتعجب :
– إيه جبني وجيه ليه مش عوزني أبقي جنبك في وقت زي ده
ضحك ضحكة ساخرة وهو ينظر له ويردف بغضب منها :
– أنا من شهر ماشفتكيش يا عاصي هتفرق أنك تكون جنبي ولا لأ روحي يا عاصي لمزرعتك وشغلك وروحي لخواتك وسبيني لوحدي
نظرت له بحنان و بأسف وقالت والدموع تملأ عينيها في حين نظر إليها هو بمزيد من الغضب فهي تبكي ولكنه سمع صوته الحزين وشهقاتها المتقاطعة :
– صدقني أنا عمري ما اقدر أبعد الشهر ده عدي عليا كأنه سنه بس بس أنا كان لازم اطمئن علي أخواتي والمزرعة بعد سفرنا ومكنش ينفع أن اسافر تأني واحنا لسه رجعين ده مالنا والله أنا كنت بموت من غيرك أنا كنت بعد الأيام عشان ترجع بس أنت حبيت هنا ونسيتني و حتى ما اتصلتش بيه أنت نستني
نظر لها وإلي تلك الدموع التي تتساقط من عينيها و تلك الشهقات المتسارعة منظرها هذا يذكره بذكريات الطفولة ولكن تلك الدموع تحرق خلايا جسده وتلك النظرة الحزينة تقتله فلم ينتظر و هو يقترب منها تلك الخطوة التي تفصلهما ويعانقها عناق طال الاشتياق له وأخذ يوزع القبلات علي صفحة وجهها بحب بتملك بحنين وهي بين يديه تستسلم إلي أمواجه عاطفته ليغرقان معاً ويبعداً عن ذلك العالم
و عاد للحاضر يحاول أن يبعد ذهنه عن الخوض في تلك الذكريات حتى لا يموت الآن من الإشتياق فنظر إلي تلك الساعة المعلقة علي الحائط يجب أن يذهب إلي العمل الآن وماذا عن أخية فهم لكي يرتدي ملابسه وعندما هم بالخروج كان ماجد يخرج هو الأخر ليوقفه و :
– عز أنت رايح فين
رفع أحد حاجبيه وقال وهو يشير إلي الحلة التي يرتديها وقال :
– لابس كده يبقي أكيد يعني رايح شغلي
نظر الأخرة له بنظرات مضطربة وقال :
– معك وقت ولا مستعجل
وبنظرات مدققة عرف أن هناك أمر فاتجهه إلي تلك الأريكة وجلس ينظر لأخيه :
– لا معاية وقت
فتقدم الأخر وجلس أمامه وأخذ ينظر له بتمهل وقال :
– طيب أسمع أنا جاي ليه
………………………..
– أنا صح ولا غلط يا فداء خائف أكون بظلمها بقراري بس عاصي لازم تواجه عاصي لازم تشغل نفسها عشان تبطل تفكير في الماضي
نظرت له بنظرات حانيه وهي تمسد على رأسه بداخل أحضانه ثم قالت بنبرة هادئة وكلمات متقاطعة:
– آدم ..اللي حصل كله مقدر ومكتوب كان لازم يحصل ولازم نمرّ بيه كانت فطره صعبه على الكل وعاصي لازم ذي ما قولت تفوق عشان نفسها واللي حوليها اللي حوليه
تطلع إليها بحب ثم سحب يديها و طبع عليها قبله ثم ابتسم :
– فداء أنا عارف أن الرجوع هيبقي صعب عليكِ بس صدقيني لازم نرجع عشان ولادنا قبل أي حاجه
ابتسمت له بحب ودققت النظر في مقلاة عينيه التي تشع الصدق والحنان وهتفت بشرود:
– حبيبي كله مقدر ومكتوب وهما ربنا يرحمهم وأنا معك في أي مكان هتكون فيه
ولم يكن يستطيع فعل شيء الآن غير أنه عانقها وبشدة يحتويها هو وهو يعلم جيداً أنه تلك الكلمات عكس ما تشعر به ،وحقاً بداخل أحضانه كانت تحاول أن تمنع تلك الدمعة من السقوط وهي تتذكر جيداً منظر أمها وأخواتها وهم أمامها جثث هامدة لا حول لها ولا قوة فذلك الحادث كأن أشهر حادث وقتها حادث قتل الزوج زوجته وأبنه ثم توفي إثري تناوله جرعة مكثفه من المخدرات ربه كيف ينتهي كل شيء هكذا كيف تموت الطيبة والحنان والمتجسدة في أمها وأخواتها ، ولكن سرعان ما تعالت صوت شهقاتها فرتب علي ظهرها بحنان وقال :
– ادعلهم يا حبيبتي ربنا يرحمهم
-ربنا يرحمهم
ذكري الآلام ذكري الوجع ذكري رجوع الفقدان وذكري رجوع المفقود رحيل أبيها أمام عينيها عندم وقع بجانبها يسبح في بحر من الدماء وهي تبكي من الخوف و الفدان وفقد صوتها على آثار تلك الحادث و كأنها لعنه أصابتها أنه تفقد كل عزيز وغالي أمام عينيها و تمرّ تلك السنوات و تجد نفسها تقف أمام جسد أمها المتسطح أمامها وبجانبها أخواتها الصغار ولكن أجساد فقط بلا أرواح….. أرواح قد ذهبت للذي خلقهم هو رحيم بهم ولكن تلك الحادث بكل ذلك الألآم أرجعت إليها ذلك المفقود تريد الصراخ تصرخ بوجع مكتوم تصرخ بشده حين خرج ذلك الصدى الذي أنتشر في المكان لينظر لها الجميع بعد تصديق وهي لا تصدق لا تصدق أن سمعت صوت يخرج من تلك الحنجرة الأشبه بالأرض البور و الآن صالحة .. صالحة لكل شيء {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وكل شيء كان خير حتى لو كان موجع مميت ولكن الحصاد هي بين أحضانه الآن زوجها وأولادها هم الحصاد
…………………………….
نظر إلي الحامي الذي ينظر له بخفوت و الصمت بينهم طال وأول من كسر الصمت هو :
– تتصرف المزرعة دي لازم نشتريها بأي تمن
– يا جواد بيه مش ممكن ماجد بيه مش هيرضى
نظر الأخر له بغضب ظاهر وهتف بصوت مسموع :
– أتصرف أنا معملتش ده كله عشان في الآخر المزرعة تروح لحد غريب
– يا جواد بيه أنت عارف أن القرار في أيد ماجد بيه وهو مستحيل يوافق بسبب المشاكل اللي، بينكم بس في حل واحد
نظر إليه جواد بترقب وهتف بسرعه :
– إيه هو؟
نظر إليه الرجل بنظرات مدققه وأخذ يسرد إليه ذلك الحل الذي سيحقق له حلمه بامتلاك مزرعة آل مهران لتكون ضربه قاضية لهم ليتكمن بعدها من الحصول علي كل شيء
………………………………..
– أنت بتطلبِ مني أيه يا هند عوزه نرجع مصر و المزرعة
– أيون يا عاصي نرجع بلدنا أنت عجبك اللي إحنا فيه ده
نظرت بنظرات غاضبه ثم قالت بقسوة :
– وحالنا ماله ممكن أعرف؟
و النظرات كانت من الأخرة متزنة تحمل عقلانية على غير عاداتها و
– عاصي أحنا هنا في البلدي دي أغراب ملناش حد علي طول في البيت مش الخروج بحساب ولو خرجنا بتبقي كأن كل مكان ضيق قدامنا فكرة مطر و الزرع و المزرعة والعمال و القعدات بتاع البنات و الاغاني والاحتفالات اللي بنعملها واحنا بنزع الزرع وموسم الحصاد ليه نبعد مع أن اللي المفروض يبعد لو بالعدل يبقي مصطفي مهران القاتل وابنه
كانت هند تتكلم وتتابعها عاصي بنظرات حانية و هي تتذكر كل شيء تذكرة أختها كأنه أمامها و لكن بهتت ملامح وجهه تماماً عندما ذكرت هند الجد مصطفي فنظرت عاصي لها وقالت :
– هند أنت صدقتي صحيح أن جدك مصطفي اللي نعرفه هو اللي قتل بابا وجده
نظرت لها الأخر وعقدت ما بين حاجبيها و قالت بغضب :
– هند أنا كنت مصدقة في الأول كل اللي قاله جواد ولما شوفت الورق اللي يثبت أن هو الوصي علينا بس يا هند أنتِ تبقي غلطانه لو لسه مصدقة ده أنا لما فكرت عرفت أن أنا غلطانه مصطفي مهران اللي أعرفه عمرة ما يعمل كدة اللي شالك وانتِ صغيرة ودلعك لو تفتكري إنك لما كنت بتطلبي حاجه كانت بتبقي عندك قبل ما تكملي طلبك الراجل اللي أمي رفضت ترجع لأهلها بعد موت بابا و جدي وفضلت في المزرعة وكنت بسمعها تقول يا عمي تفتكري ممكن يكون قاتل الرجل اللي يتبره من حفيدة عشان خان مرآته و خله يطلقها عمرة ما يكون قاتل هو لما عرف كلام جواد سكت يا هند وقال لآدم أنه في يوم هيجي هيعرف فيه الحقيقة كاملة و سعتها هيعرف أن هو سكت لمصلحتنا يعني في حاجة مخبيها علينا
هتفت الأخرى بغضب عارم وهي تنظر لأختها :
– ولحد اليوم ده هو في نظري القاتل هو قتل وبعد كده جاي يعوضني ثم ارتفع صوتها وقالت وعشان كدة لازم نرجع لازم نعرف الحقيقة لازم أعرف أنا ليا حق ولا عليا حق وجرت من إمام أختها تحتمي في أحد الغرف وتبكي بشدة و تتشنج و يعود إليها كل ما مر عليها وأولهم ذكري الفراق ……؟

error: