رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل

رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل

جميع الحقوق محفوظة للكاتبة

<< إمبراطورية المـلائكة >>

  • الفصل الأول :-
    “بداية اللعنة”

_ هـنا في قـصر آل “العـامري”،
أحد أكبر القـصور في مـصر في حيننا هذا.
فتح سرب الحراس البوابات الإلكترونية لإستقبال ساحة القصر الخارجية لتلك السيارات الفخمة..
استقرت السيارتين في الممر الطويل المزدان على جانبيهِ بـ حواف جرانيتية ورخامية ملونة ولامعة، وهبط السائق لفتح باب السيارة الخلفي.. هبطت عنهُ سيدة قاربت على الخمس وأربعين عامًا، ترتدي بنطال قصير وكنزة فضفاضة أرجوانية.. وتغطي النظارة الشمسية ذات الماركة الشهيرة أكثر من نصف وجهها.. نظرت حولها بغطرسة شديدة، ثم نزعت نظارتها وغمغمت بإستنكار :

  • مين كان يصدق إن هييجي وقت وأدخل قصر العامري تاني!

اقترب منها هذا الرجل ذا الطّلة المهيبة، وقال بخشونة :
– ناهد، قبل ما ندخل بنبه عليكي، متحاوليش تضايقي أبويا بأي كلمة من كلامك السم.. انتي عارفه إن صحته متستحملش أي ضغط والدكتور محذر أكتر من مرة

قوست شفتيها بإستهجان وقالت :
– أنا!.. متقلقش، طول ما مراته الحرباية بعيد عني اطمن من ناحيتي

تنهد بسأم من ذكر زوجة أبيهِ، ثم ردد :
– مالكيش دعوة بميسون خالص، انتي عارفه ان بابا بيعملها ألف حساب.. خلينا نعدي اليومين اللي هنقعد فيهم هنا بسلام

أشاحت بكفها غير مهتمة، ثم قالت :
– خلاص خلاص ياعاصم، مش لازم الوصايا العشر بتاعتك دي بقالك يومين بتسمعهاني

زاغت عينيها يمينًا ويسارًا، ثم سألت بثبات مزيف :
– هو عاكف أخوك هييجي يقعد يومين معانا برضو؟

تقلص وجه “عاصم” فور ذكر سيرة أخيهِ الأكبر.. ثم قال بإمتعاض جلّي :
– آه، جاي هو ومراته وابنه.. ياريت كمان تقطعي علاقتك بفريدة مرات عاكف، أنا مش عايز مشاكل مع رائد.. كلنا عارفين يعني إيه فريدة بالنسبة لرائد ابنها

ثم ابتعد خطوتين و :
– يلا تعالوا ندخل

نظرت “ناهد” بإتجاه باتجاه ابنتها الوحيدة، ثم سارت نحوها و :
– تعالي يابرديس، عايزة اقولك حاجة مهمة قبل ما ندخل

طوقت كتف ابنتها بذراعها الأيمن، ثم قالت بصوتها الأنثوي المتغنج :
– اسمعي يابرديس، عيزاكي تركزي أوي مع رائد.. كلنا عارفين إنه ولا مرتبط ولا بيحب، ولو حصل اللي في بالي واتجوزتي ابن فريدة.. هتعيشي عمرك كله تشكريني على الجوازة دي

رفعت “برديس” حقيبتها الصغيرة على كتفها، ثم قالت بدلال :
– مامي أنا مش بجري ورا حد.. اللي عايزني هو اللي يجري ورايا، صحيح أنا معجبة برائد من زمان، بس هو اللي لازم يتحرك ناحيتي مش العكس

تأففت “ناهد” بقنوط وقالت :
– متبقيش غبية كدا زي ابوكي.. اسمعي كلامي أنا وهتكسبي
– عن أذنك يامامي، جدو أكيد مستنينا

ثم تركتها وتثنت في خطواتها المتمايلة نحو القصر، فهي “برديس العامري”.. مدللة العائلة الوحيدة بجانب حفيدين ذكرين أحدهما “رائد” ، نالت من الدلال ما يكفي عشيرة من النساء.. فهي المفضلة دومًا لدى والدها وجدها “فاروق” العامري، أحد أكبر رجال الأعمال، والذي يملك صرحًا كبيرًا لصناعة وتصدير أدوات التجميل ومستحضرات العناية بالشعر والبشرة.. حتى أصبح أسم شركاته ومصانعهِ ماركة مُسجلة عالميًا ومعترف بها صحيًا أيضًا.

…………………………………………………………..

في ساحة الجلوس العريضة، والمؤلفة في الأساس من أربع غرف تم دمجهما.. جلست الأسرة الصغيرة في انتظار “فاروق”.
تأملت “ناهد” طلاء الجدران الجديد، والأثاث الذي يبدو إنه تم ابتياعهِ قريبًا.. ثم نظرت بزوجها وتمتمت بصوت خفيض :
– أول مرة عمي يبدل العفش ولا يغير ألوان الحيطان!.. أنا حاسه إن في حاجة مش طبيعية بتحصل

كان “عاصم” مرتاحًا بشدة.. رافعًا ساق على الأخرى وهو يتأمل الجو العام من حولهِ، ثم ردد :
– عادي كفاية توتري نفسك على الفاضي

انفتح باب الغرفة.. ولجت منه “ميسون”، تلك السيدة الأربعينية العمر، وبخطوات مختالة هبطت درجتين.. ثم اقتربت من مجلسهم، لينهض الجميع.. رمقتهم بتعالي قبل أن تنطق :
– أهلًا وسهلًا، نورتوا

صافحها “عاصم” بفتور، ثم ردد :
– شكرًا ياميسون

ثم صافحت تلك الصفراء “ناهد” حسب قولها.. وأثناء ذلك ارتكزت نظراتها على جانبي شعر “ناهد” المُصفف بعناية ودقة.. وقالت :
– أهلًا ياناهد
– أهلًا

ابتسمت “ميسون” وقالت بلهجة متنمرة :
– بقالك قد إيه مصبغتيش شعرك ياناهد؟

اضطربت الأخيرة ولمست بأصابعها شعرها وهي تقول بثقة متزعزعة :
– بتسألي ليه؟

فـ اعادت “ميسون” الإبتسامة المستخفة مرة أخرى وقالت :
– أصل في شعره بيضا شكلك مش شيفاها كويس، كبرتي ياناهد
– هـه!

تلعثمت ولم تجب.. فـ “ميسون” تعلم جيدًا ما هي نقاط الضعف التي تضغط عليها لدى “ناهد” بالتحديد، فقد جمعتهم علاقة عمل منذ زمن طويل.. حيث كانتا إحدى العاملات بمجموعة شركات “العامري”، قبل أن يتزوج “عاصم” بـ “ناهد”.. وقبل أن يتزوج كبير العائلة “فاروق” بسيدة مثل “ميسون” تصغر عنه بأكثر من ثلاثون عامًا.
……………………………………………………………

فُتحت أبواب القصر مرة أخرى لتستقبل “سيارة” السيدة “إيمان العامري” وابنها الوحيد “طارق”..
وقبل أن يترجل “طارق” عن مقعد القيادة، استوقفته والدتهِ و :
– أستنى ياطارق ، عايزة أقولك حاجة

نظر “طارق” في المرآه الأمامية يضبط ياقة قميصه وهو يجيب :
– أتفضلي ياماما
– عيزاك تكسب جدك ياطارق، بقالنا أكتر من سنتين ولا شوفناه ولا شافنا.. من ساعة الخناقة الكبيرة وهو حرّم كل عياله عليه حتى أنا، ومحدش كان بيشوفه ولا هو كان بيشوف حد.. طالما رضي عننا وطلب إن كل عياله ييجوا
يقعدوا عنده يومين، يبقى دي فرصة كويسة نرجع ثقته فينا ونخليه يرضى عننا

تلوت شفتيها بإعتراض وقالت :
– مش عيزاه يفضل حاطط رائد في مكانة أعلى منك، وحتى المميزات والصلاحيات كلها رايحة ليه هو بعد ما سحب كل حاجة من عاصم وعاكف.. فاهمني ياطارق، مش عايزة اليومين دول يعدوا غير وانت حاطط رضا جدك عنك في جيبك
– ماشي، مع إني مش عايز أقعد مع العيلة دي يومين بحالهم.. بس معلش، كله يهون

دقائق معدودة من دخول “إيمان” وولدها.. حتى عبرت سيارتين أخرتين، ولكن أكثرهم أناقة وبهظًا.. استقرتا على الجانب اليساري للقصر، حيث شغلت باقي السيارات رواق المرور.. ثم ترجل عن السيارة الأولى رجلًا في أواخر أعوامه الخمسينية، نفخ بضيق جلي.. ثم قال بتذمر :
– جه اليوم اللي هقعد فيه في وش عاصم يومين كاملين! مش عارف انا ليه التحكمات دي بس يابابا.. ربنا يعدي اليومين دول على خير

نظر للخلف، فوجد “إبنه” الوحيد.. ذاك الشاب اليافع، يفتح الباب لوالدتهِ، ثم يساعدها كي تنتقل على مقعدها المتحرك، ثم أغلق باب السيارة.. وانحنى عليها بجسده وقال :
– مرتاحة يافيرو؟

تبسمت “فريدة” برضا، وقالت :
– مرتاحة يارائد

أحكمت حجابها الفيروزي الرقيق على رأسها.. ونظرت بإستقامة للأمام، بينما جرّ “رائد” مقعدها نحو القصر وقد استبقهم والده “عاكف”..
وفي غرفة الجلوس، كان الجميع يتصافح ويتبادل السلام.. وفي قلوبهم تنازعت الشياطين، كُل منهم يرسم ملاكًا على وجهه.. وفي صدرهِ يكاد يقتل الآخر، ظل “عاكف” الذي كان يلعن حظه منذ قليل لمجرد فكرة البقاء وسط أخوته يومين كاملين، الآن يصافحهم ويعانقهم بحرارة كاذبة.. ولم يقلّ عنه “عاصم” الذي رسم السعادة على ثغره.
حتى ظهرت “فريدة” وابنها “رائد”.. انتقلت النظرات جميعها إليهم، ثم انتقلت” إيمان” بعجالة نحوهم وهي تقول : فريدة، وحشتيني خالص

ثم انحنت لتُقبّلها، ومن ثم عانقت “رائد” و :
– تعالى في حضن عمتك يارائد

شعرت بمدى ضخامة عرض جسده.. قطبت جبينها وهي تتحسس ظهره المتعضل، ثم قالت بمزاح :
– شكلك بتلعب رياضة كتير

ثم نظرت حيال “طارق” ابنها وقالت بإستنكار :
– ابقى قول لطارق يلعب هو كمان

فتدخلت “فريدة” على الفور :
– آه ماشاء الله عليه، ربنا يحفظهولي

ثم نظرت نحو ابنها و :
– سيبني أنا هدخل يارائد

ودفعت مقعدها المتحرك للداخل، حيث استقبلتها “ناهد” أولًا.. صافحتها بجفاء ، ثم نظرت لحال ساقيها و :
– أزيك يافريدة ، لسه برضو مفيش علاج جايب معاكي نتيجة؟

توهج وجه “رائد” على الفور، واتقدت عيناه بنذير غير مبشر بالمرة وهو يرد بصوت قوي :
– مرات عمي! في مواضيع مش من حقك تتكلمي عنها

تحرجت “ناهد” بشدة وهي تنظر للمحيطين، بينما تدخل “عاصم” بدوره :
– في إيه يارائد؟ مرات عمك بتسأل عن صحة والدتك عادي يعني

فكان جوابه قاطعًا :
– مش عايزين سؤال من حد، اللي عايز يسأل كان سأل من زمان

ربتت “فريدة” على كف “رائد” المسنود على كتفها.. ثم بررت موقفه العدواني بقولها :
– رائد مش بيحب حد يتكلم عن الموضوع دا، عشان كدا أعصابه شدت شوية.. متزعلوش ياجماعة

ابتسمت “ناهد” لتواري حرجها، ثم قالت :
– آه طبعًا فاهمين، عمومًا حصل خير

نظر “رائد” حوله قبل أن يسأل :
– فين جدي ومراتهُ؟

فأجاب “عاكف” :
– فوق، الدكتور عند جدك ومراته معاه.. مستنين الدكتور ينزل عشان يطمنا

ولجت “زهور” الخادمة في هذه اللحظة.. حمحت قبل أن تردد :
– دكتور نظيف برا وبيستأذن يدخل

فقال “عاصم” متعجلًا :
– دخليه يازهور بسرعة

أتخد الجميع موضعه، وبقى مقعد الطبيب فارغًا حتى استقر عليه.. وزع نظرات آسفه على الجميع، ثم نكس رأسه وبدأ يقول :
– الحالات اللي زي دي مش بنحتاج نكدب على أهل المريض، لازم يكونوا على علم بكل تطور بيحصل

فتسائل “عاكف” بنفاذ صبر :
– من فضلك يادكتور، قول بسرعة في إيه؟
– السنة اللي فاتت كنا بنخطط نعمل عملية زراعة قلب لفاروق بيه.. وبدأنا نتصل بالمستشفيات برا مصر عشان نلتقي قلب يناسبه، وعملنا التحاليل والفحوصات اللازمة.. لكن التحاليل أثبتت إن خضوع فاروق بيه لعملية جراحية زي دي دلوقتي ملهاش نتيجة غير الموت.. سنه وجسمه مش هيستحملوا

ذمّ على شفتيه وقال :
– نفس الوقت الحالة بتدهور، ومفيش في إيدنا الإنتظار

ضاقت عيني “إيمان” بإستفهام و :
– إنتظار إيه بالظبط؟
– الموت، كلها مسألة أيام.. الأدوية اللي بياخدها فاروق بيه كلها مجرد مسكنات وڨيتامينات، لكن الحقيقة إن خلاص.. فاروق بيه بيقضي أيامه الأخيرة

ثم وقف “الطبيب” عن جلسته و :
– عن أذنكم

لمعت عيني “ناهد” بوميض غريب.. وكأن السعادة تختبئ بين لمعان قرنتي عينيها، بينما أدعى الجميع حالة من الحزن والضيق إدعاءًا تكاد تصدقهُ أنفسهم من إتقانهِ..
صمت تـام ساد في الأجواء، ولم يبقى سوى نظرات تتبادل أدوارها بينهم.. ولكل منهم مطمعه ومبتغاه وغايته.

……………………………………………………………

في هذا الجناح الفسيح ذا المساحة الواسعة.. كانت الإضاءة خافتة إلى حد ما، فقط أباجورة واحدة مُضاءة.. والبقية مطفئ.
دثر “عادل” والدهِ الكهل العجوز جيدًا، ثم جلس قبالته ونظر إليه مليّا قبل أن يردف :
– سلامتك ياوالدي ألف سلامة

سعل “فاروق” وقد تلوث صدرهِ بالبلغم، ثم قال بصوت ضعيف :
– اللّه يسلمك يابني، قولي اخواتك وعيالهم وصلوا؟

فـ انتقلت نظرات “عادل” إلى زوجة أبيه وكأنهُ يسألها، فأجابت على الفور :
– كلهم تحت يافاروق ومستنيين، زمان الدكتور قالهم كل حاجة

علقت عيون “فاروق” على السقفية.. وقال بيأس :
– أنا عارف إن اللي هعمله ممكن ميجيبش نتيجة معاهم، لكن دا الحل الوحيد

نظر “عادل” لوالده نظرة غير راضية والتزم الصمت، بينما قال “فاروق” :
– قول اللي في قلبك ياعادل يابني، قول انا سامعك

تنهد “عادل” بقنوط، ثم ردد بلهجة يائسة :
– الأخوات اللي عاشوا طول عمرهم بيكرهوا بعض مش هيبقوا حبايب دلوقتي يابابا، لو بترضي ضميرك فـ دا مش هيرضيك

قطب “فاروق” جبينه بإمتعاض، وقبل أن يتفوه كلمة تابع “عادل” :
– أعذرني، لكن قرارك المفاجئ دا هيولع الدنيا مش هيصلحها

ثم نهض عن مجلسه، واتخذ طريقه نحو الباب.. غادر، فقالت “ميسون” :
– متزعلش يافاروق، انت عارف إن عادل أعقل واحد في ولادك وأحسنهم في الأخلاق

أومأ رأسه بتفهم و :
– عارف ياميسون، عشان كدا ساكت.. هو برضو عنده حق، الغلط كان غلطي من البداية

……………………………………………………………

كانت نظراتها عالقة عليه، ولكنها نظرات مسروقة.. تأملت تصفيفة شعره المميزه، وعينيهِ الزرقاوتين واللاتي تخطف النظر إليها.. بشرته التي تميل للبياض، وذقنهِ الخفيفة التي تركها تُزين وجههِ..
كان مرتكزًا بنظراتهِ على الهاتف، يتحرك أصبعه كثيرًا وكأنه يُحدث أحدهم كتابيًا..
حتى ولج “عادل” لحجرة الجلوس، فـ انتبه الجميع وانتقلت الأنظار إليه.. وأول من سار نحوه ليصافحهُ كان “رائد” الذي تمتع بمكانة لديه لم يحظى بها أيهم..

رائد:
– أزيك ياعمي؟

عانقه “عادل” بحرارة و :
– كويس يارائد، بس بلاش عمي دي ماانت عارف إنها بتضايقني.. هما خمس سنين بس اللي بينا

ثم نظر لأخوتهِ و :
– نورتوا القصر ياجماعة، حالًا بابا هينزل

تهكم “عاصم” عليه قائلًا :
– هو احنا كنا بايتين في حضنك ياعادل ولا إيه؟.. داانا بقالي أكتر من ٧ شهور مشوفتكش

ابتسم “عادل” بسخافة ورد :
– معلش دماغي مش فيا، اللي احنا فيه واخد كل عقلي مني

فقوس “عاكف” شفتيه و :
– حقك طبعًا يااخويا

انتقلت نظرات “عادل” نحو زوجة أخيه الأكبر “فريدة” وسألها بإهتمام :
– عاملة إيه يافريدة، مش أحسن النهاردة؟

فـ ابتسمت الأخيرة بوداعة و :
– كويسة ياعادل، شكرًا على سؤالك

تجهم وجه “عاكف” فجأة، ومال على زوجته يسألها بإحتدام :
– هو عرف منين إنك كنتي تعبانة؟ انتي بتكلميه من ورايا؟

فلم تُجب “فريدة” على سؤالهِ.. مما أشعل نيران الغيظ بداخله أكثر
بضع دقائق..
وكان “فاروق” يقتحم جلستهم، مستندًا على عكازهِ الخشبي المميز ذات رأس الكوبرا (ثعبان).. نهض الجميع وكادوا يتهافتون عليه، ولكنه رفع كفهِ عاليًا ليمنعهم من التقدم و :
– كل واحد مكانه

فتثبت الجميع في وقفتهِ، بينما قالت “ميسون” :
– أتفضلوا ياجماعة أقعدوا، فاروق عايز يقولكم كلمتين

عاصم ونظراته تتوزع بين أخوتهُ :
– طب نسلم عليك الأول ياحج، دا انت حرمتنا نشوفك أو نزورك هنا في القصر سنتين كاملين

فقال بإقتضاب :
– ملهوش لزوم

عاد كل منهم يلتزم مقعدهِ، ومضى هو نحو المقعد الخاص به.. مقعد مميز ينتصف الجلسة، ذا ظهر عريض، مُطعم بماء الذهب.. وتطريزاتهِ غير تقليدية، ارتاح في جلستهِ، وأسند عكازه بجواره.. نظر للجميع بتفحص بدون أن ينطق كلمة، ثم سأل فجأة :
– جبتوا الشنط بتاعتكم معاكم؟

فأجاب “عاكف” :
– آه يابابا، إن شاء الله اليومين اللي نقعدهم معاك ميكونش فيهم تعب ليك
– قصدك على طول ياعاكف

قالها “فاروق” وهو يوزع نظراته بينهم، في حين تسائل “عاصم” :
– على طول إيه ياحج مش فاهم؟

زفر “فاروق” بتعب حينما كان الجميع ينظر لبعضهِ البعض، ثم قال :
– أنا قررت خلاص، كلكوا هتعيشوا هنا معايا.. على طول

فنهض “عاكف” عن جلستهُ فجأة وصاح غير مستوعبًا :
– إيـــــــه! ؟ على طــول؟

وقف “عاصم” أيضًا عن جلستهُ و :
– إيه الكلام دا يابابا! مستحيل دا يحصل

ولم يصمت “طارق” طويلًا، بل تدخل بدوره قائلًا :
– أنا مش هقدر أتأقلم على جو بيت العيلة دا ياجدي، هما يومين وكل واحد يروح لحاله

لكزتهُ والدته “إيمان” وهمست :
– أسكت انت ياطارق

فـ قال “طارق” بضجر لم يقوَ على كبحهِ :
– أنتي مش سامعة ياماما؟ بيقولك على طول!

عبست “برديس” وهي تردد :
– يعني أنا كدا مش هعزم صحابي عندي تاني طالما بقينا في بيت جدو؟ لأ كدا أوڨـر بصراحة يعني، اتكلمي يامامي

تنحنحت “ناهد” قبل أن تقول معترضة :
– لزومه إيه بس ياعمي.. ممكن نيجي نزورك كل يوم لو عايز، إنما بلاش حكاية نعيش هنا دي!

شملهم “فاروق” جميعًا بنظرات ساخطة تنُم عن غضبه، وبعد ما ساد الصمت من جديد.. قال متسائلًا بسخرية :
– في حد عاوز يتكلم تاني؟!

لم يعقب أيهم.. فسحب “فاروق” عكازهُ ونهض.. ثم ضرب بهِ الأرضية وقال :
– أسمـعوا بقى ياولاد فاروق العـامري.. اللي قولته هو اللي هيمشي، وسقف القصر دا هيلمكم تحتهُ طول ماانا عايش، وإلا………………………………..

error: