رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل

<< إمبراطورية الملائكة >>

الفصـل الثالث والعـشرين :-

كانت تحاول مرارًا وتكرارًا الوصول إليه.. أرسلت العديد من الرسائل وقامت بالعديد من الإتصالات بهِ ولكن دون فائدة..
نظر “رائد” لوضعية هاتفهِ الصامت وأسمها ينير الشاشة، مط شفتيهِ قبل أن يدس الهاتف في جيب بنطالهِ، ثم همس لنفسه بغطرسة شديدة :
– خليكي كدا شوية، أما أشوف هعمل معاكي إيه

دنى منه المهندس المتخصص بتجهيز منزله الزوجي الجديد ، ثم أشار لليسار وهو يردد :
– خلاص الركنة المودرن هتكون في الزاوية اللي هناك دي.. وبعدها هنشوف تنسيق ألوان النجف الكريستال عشان تمشي مع لون الحيطان

ثم تسائل بفضول :
– هي الهانم مش هتشوف الشقة قبل ما نقفل شغلها ؟

فأجاب “رائد” بإقتضاب شديد :
– لأ، أنت أعمل اللي اتفقنا عليه وانا عارف زوئها كويس.. هتخلص أوضة النوم أمتى ؟
– قدامي بالظبط أسبوع واسلمك الشقة جاهزة تمامًا

تأمل “رائد” بعض التفاصيل بنظرات شموليه قبل أن يردف :
– كويس، هستناك يابشمهندس، ولو في حاجه بلغني بيها فورًا
– حاضر

كانت تجلس على فراشها تنظر لهذا الصندوق الضخم الذي يحوي ثوب عرسها.. لا تدري هل هذه السخونة المشتعلة النابعة من صدرها إثر تجاهله لها أم لأنها تشعر إنه يقحمها بالأمر أكثر وإكثر وكأن لا معنى لرأيها..
زفرت وهي تطرق رأسها، هاجمتها ذكرى الصباح.. ورافقها شعور الحنين الذي امتزج بالإمتعاض منه ، غرزت أظافرها في عنقها بإنفعال وهي تتعمد إيذاء نفسها وإصابة عنقها بالعديد من السحجات الظفرية أثناء هطول دموعها گالمطر.. وألم فؤادها أقوى عنفًا وتأثيرًا من ألم الخربشات العنيفة التي سببتها لنفسها ، شهقت بقهر وهي تحاول مغالبة دموعها.. لتدخل “دريّة” عليها فجأة.. فألصقت “رفيف” وجهها بالوسادة لتختفي دموعها عليها، في حين قالت هي بإستهزاء :
– مبروك الفستان الجديد ياختي، بس عالله تحافظي عليه

لم تتحرك عن وضعيتها، فـ خرجت “دريّة” وهي تردد بصوت مسموع :
– عنك ما رديتي

اعتدلت “رفيف” في جلستها وحاولت الأتصال مجددًا، ولكنه لم يجيبها گسابق محاولاتها.. قذفت بالهاتف بعيدًا وهي تذمجر بغضب.. تفكر فيما ستفعله له.

……………………..……………………..……………

أغلق “عاكف” حقيبة السفر الصغيرة خاصتهِ، ثم تركها جانبًا.. رمى زوجته بنظرة خاطفة، فإذ بها مدثرة في الفراش، محررة شعرها البني الناعم خلف ظهرها وتقرأ كتابًا.. اقترب من الفراش، جلس قربها وهو يقول بصوت حاني :
– مش هتنامي يافريدة ؟

لم ترفع عيناها عما تقرأ وهي تجيب بجفاف إعتداد عليه منها :
– لأ، نام انت

سحب الكتاب من بين يديها ووضعه على الكومود لتنتقل نظراتها المحدقة إليه.. أمسك كفها وضمّ عليه أصابعه وهو يقول :
– إيه رأيك تيجي معايا بولندا، أنا مستعد أشوفلك أحسن دكاتره هناك و……..

اجتذبت كفها منه وعقدت ساعديها سويًا وهي تزجره بنظرة مستخفة به :
– إنت تشوفلي أنا دكتور!.. لأ شكرًا انا خلاص اتعودت على كدا ، خليك في نفسك ياعاكف

تنهد “عاكف” وهو يردد بقنوط شديد :
– حرام عليكي بقالي سنين مستحمل طريقتك وخلاص جيبت أخري منك.. مفيش حاجه نافعة معاكي ولا شدة ولا لين!

ضحكت بسخرية وهي ترد بـ :
– بجد!.. وانت بتعمل إيه لما بتجيب أخرك ؟.. هــه؟

لم يجب،. فبادرت هي :
– رجعلي إبني وانا اسامحك، إبني اللي شافك وانت بتخوني في سريري وجوا بيتي.. تقدر ؟

فصاح فيها وهو ينهض من جوارها بتشنج أصاب جسده :
– بقالك ١٥ سنة بتأنبيني، كـفاية كـدا.. ماهو كان إبني انا كمان ولا نسيتي دي

فصرخت فيه وقد أوشكت على الإنهيار :
– أطــلع بــرا.. مش هتبات هنا ولا عايزة أشوف وشك، بـــــرا

فـ خرج بإندفاع وصفق الباب من خلفه.. وهبط الدرج بسرعة رهيبة حتى أنهاه وبرح القصر بأكملهِ، يلعن هذا الحظ السئ الذي جعل ولده الأكبر يرى خيانته بعيناه في هذه الليلة التعيسة والتي مات بها أثر حادث عنيف جراء صدمتهِ مما رأى.. لم تستطع والدتهِ اللحاق به، فقد ركض ركوضًا سريعًا حتى بلغ الطريق السريع.. ليلقى مصيره المحتوم بحادث مفاجئ أنهى حياتهِ في الحـال وقبل حتى أن يصل للمشفى.. كانت ليلة مشؤمة، لم تتحمل فيها “فريدة” صدمة فقدان ولدها الأكبر.. لتسقط صريعة الشلل الذي رافقها لسنوات وسنوات دون أمل من العلاج ،فأصبح مصابها ثُلاثي.. فقدان ولدها ، وفقدان قدرتها على السير.. وخيانة زوجها بداخل غرفتها وعلى مضجعها أيضًا.
قبضت “فريدة” على عيونها لتنهمر شلالات من الدموع وهي ترى كل يوم كيف صدمت المقطورة الضخمة ولدها بلا رحمة.. عجزت عن الصراخ، وبقيت آلامها مدفونة بداخلها ولا تستطيع التحدث بها.. لأجل ابنها الثاني فقط، والذي عانى مرارة الفراق.. وصحبهُ المرض النفسي والعصبي لفترة من الزمن ، استهلك “رائد” كثيرًا من الوقت ليخرج من صدمة موت أخيهِ.. ليقع في حقيقة أكبر، شلل والدتهِ التى لازمت الفراش، وبقى هو رفيق والدهِ لفترة طويلة من الزمن.. حتى استطاعت “فريدة” أن تنتشله بصعوبة شديدة من هذا البئر المُظلم، قبل أن يعلق بالقاع.

……………………..……………………..……………

أوصدت “ناهد” بابها بالمزلاج ، وجسدها يرتعش من هول ما عاشتهُ.. اقتربت من الكومود لترتشف بعضًا من الماء ، ثم جلست على فراشها برجفة غير مسبوقة.. تتذكر ما حدث منذ بعض الوقت…
(عودة بالوقت للسابق)

نزعت “ناهد” أحد الأسلاك التي تتوصل بجسد “فاروق”.. وهمّت لتستكمل الباقين وهي تراقب سكونه، انتابتها قشعريرة مفاجئة ودبّ الذعر داخلها ليجعلها ترتجف.. وگأنه مسّ قد أصابها، وربما يكون مَلك الموت بهيبتهِ ينظر لما تفعله الآن.. تملكها الذعر وهي لا تعرف مسمى لهذا الذي يحدث لها، وبإرتعاش شديد أعادت كُل شئ لنصابهِ الصحيح.. ثم ركضت بفزع وتعثر للخارج لا تدري إلى أين الذهاب.

(عودة للوقت الحالي)
ضمت “ناهد” ذراعيها سويًا وهي تردد بصوت خفيض :
– هو كان ملبوس!.. أيوة ملبوس واللي حصلي دا من قرينه.. إيه التخاريف دي ياناهد

استمعت لصوت محاولة لفتح الباب، فـ شهقت بذعر وهي تضع كفها المرتعش على فمها.. لتستمع إلى صوتهِ :
– ما تفتحي ياناهد، قافلة ليه الباب عليكي!

ابتلعت ريقها ما أن اطمئنت إنه “عاصم” ، ثم نهضت لتفتح الباب.. ثم سارعت نحو فراشها لتدثر بغطائها وهي تقول :
– أنا تعبانة أوي ياعاصم وشكلي داخله على دور برد، تصبح على خير

لاحظ إرتدائها لملابس الخروج، فقال بإستنكار :
– انتي هتنامي بلبس الخروج دا ؟

دثرت جسدها وزحفت لتكون أسفل الفراش وهي تقول :
– آه، مش قادرة أغير

سار نحو الخزانة دون أن يعيرها إهتمامًا.. حينما كانت هي تغمض عيناها قسرًا وفرارًا من أي مواجهة قد تكشف أمرها.. فباتت سجينة خوفها الذي لم يفارقها طوال ليلها، وحتى طلوع النهار.

……………………..……………………..……………

حضر أحد عاملي العيادة البيطرية الشهيرة في هذا الصباح لقصر آل العامري.. مصطحبًا صندوق صغير، أستقبلته “زهور” قبل أن تستدعي “برديس” التي هبطت على الفور لملاقاتهِ..
وقبل أي شئ، شرعت بفتح الصندوق بتلهف وهي تردد :
– كيتي

استمعت لمواء قطتها الصغيرة وهي تخرجها من الصندوق.. وضعتها بين أحضانها ومسدت عليها بحُب وعاطفة شديدين وهي تتسائل :
– هي عاملة إيه ؟
– بقت كويسة ياهانم، والدكتور أداها كل التطعيمات اللازمة عشان متتعبش تاني.. والتطعيم الجاي بعد ٣ شهور ، ياريت تبقي تجيبيها العيادة

قربتها من وجهها تلاطفها وهي تقول :
– Thank you very much

خرج العامل، بينما انتقلت “برديس” لغرفة الطعام.. حيث يجلس والدها ووالدتها برفقة “طارق” ، يحتسون مشروب الشاي الصباحي..
اقتربت منهم “برديس” وقد تشكلت السعادة على محياها وهي تقول :
– كيتي رجعت يامامي

نظر “طارق” للقطة التي بين أحضانها، ثم أشاح بوجهه وهو يردد بسخرية :
– ياريتني كنت قُط

كانت حالة “ناهد” لا تسمح بأي شئ، حتى إنها ترتشف الشاي بدون رغبة.. حتى أستمعت لصوت هاتف “طارق” وتلاه :
– دي خالي عادل بيتصل ، أكيد في جديد

ارتبكت “ناهد” منتظرة سماع الخبر.. هبّ” طارق” واقفًا من مكانه وهو يهتف :
– بتقـول إيه ياخالي ؟

سقط قدح الشاي من بين يديها بتخوف شديد، ووقفت عن جلستها وهي تردد بذعر بيّن :
– حصل إيه ؟

اقتربت منه “برديس” وقد سيطر عليها الخوف :
– جدو كويس ؟؟

ابتسم “طارق” وهو يجيب :
– طب الحمد لله ، إحنا هنخلص فطار ونيجي.. حاضر

فتسائل “عاصم” بتلهف :
– ما تنطق ياطارق ؟
– جدي فاق النهاردة الصبح والدكاترة زمانهم عنده دلوقتي

ابتهجت “برديس” وتضاعفت سعادتها وهي تردد :
– أنا هطلع أغير هدومي عشان توديني

جلست “ناهد” ببطء وهي تهمس :
– الحمد لله ، الحمد لله

وكأن جبلًا إنزاح عن صدرها.. كونها كادت تكون قاتلة كان يجثو عليها منذ البارحة، واليوم.. ورغم إنها لا ترغب به حيًا، إلا إنها شعرت بالراحة لبرائتها وعدم تورطها في أمر گهذا.. لعل ملك الموت يزورهُ مرة أخرى، ولكن ما زال في عمره بقية يحياها.

……………………..……………………..………….
في هذا الصباح المنعش، وداخل متجر “رفيف” للزهور..
أنتهت “رفيف” من تغليف باقة رقيقة من الزهور لأجل إهدائها لـ “فاروق” بمناسبة سلامته..
تنهدت بحنق بالغ وهي تنظر لـ “عماد” وتهتف بإحتجاج :
– مش عارفه ليه ياعمي مصمم آجي مع حضرتك!.. ممكن تاخد البوكية وتروح عادي وانا هبقى اروح بعدين
– يابنتي دي مش أصول، مش كفاية مروحتيش المستشفى ولا مرة من ساعة الراجل ما تعب!!

تناول منها باقة الزهور، ثم أردف:
– يلا قفلي المحل عقبال ما أشوف تاكسي

وخرج تاركًا إياها تلعن حظها وتتمنى لو إنها لا تصادفه.. نظرت لساعة الهاتف ، لتتذكر إنه تجاهلها منذ الأمس ،رغم إن العكس هو الصحيح.. ولكنه أثار حنقها بفعلته وهذا هو مقصده.
وصلت سيارة الأجرة أمام المشفى الخاص.. ترجل “عماد” وأفسح لها الطريق هي الأخرى، ليجدا “رائد” في إستقبالهم أمام المشفى.. تقدم منهم وهي متجاهلة وجوده تمامًا ، صافح “عماد” بحرارة و :
– أهلًا ياعمي
– معلش يابني معرفتش اجي قبل النهاردة
– ولا يهمك

ثم نظر بإتجاهها وأردف :
– أزيك ياأوركيدا

فأجابت على مضض :
– كويسة

استشعر “عماد” وجوب إنصرافه الآن، كي يترك بعض الدقائق المعدودة لهما.. فاستأذنهما :
– طب هسبقك أنا يارفيف، أنا عارف السكة
– ياعمي آ…..

برح مكانه قبل أن تتمم عبارتها، ليكون هو أمامها، زفرت بضيق وهي تنظر لأسفل قائلة :
– لو سمحت عديني
– عنيا

أمسك بكفها عنوة واقتادها للداخل، حاولت أن تنسل منه.. ولكنه كان محكمًا قبضته على كفها ويسير بها بهدوء لعدم لفت الإنتباه حوله.. نظرت حولها بتوتر وهي تردد بإمتعاض شديد أصاب نبرة صوتها :
– سيب أيدي عيب اللي بتعمله ده

فقال بفتور شديد :
– أنا هركبك الأسانسير بس ياأوركيدا

ضغط على زر المصعد وانتظر هبوطه للطابق الأرضي.. حينما كانت هي تجاهد عبثًا للفكاك منه، أنفتح باب المصعد، فدفعها برفق للداخل وأعقبها.. ثم ضغط على أزرارهِ، تمعن النظر لوجهها المصطبغ بحمرة الغضب المتوهجة.. وفجأة ،توقف المصعد بأحد الطوابق وقد أنخفضت الإضاءة ليصبح المكان شبه معتم.. شهقت بتخوف وتشبثت بذراعه وهي تتسائل :
– إ.. إيـه اللي حصل؟

تلذذ بإلتصاقها المحبب به.. فأخفض رأسه قليلًا وهو يهمس:
– تقريبًا الكهربا قطعت
– هــاا، إزاي في مستشفى كبيرة زي دي ؟

ودون أدنى إنتباه منها بسبب خوفها الشديد.. ألتف ذراعيه حول خصرها يضمها لصدره بحميمية شديدة، وبالقرب من أذنيها قال بصوت خفيض:
– وحــشتينـي أوي ياأوركيـدا

كادت تنهار أمام دفء عناقه الذي تحتاجه بشدة.. ولكنها تماسكت وقد اضطربت أنفاسها أثر إقترابه الشديد منها.. دفعته بإنفعال وهي تردد بإنزعاج مزعوم :
– أوعى لو سمحت

فشدد ذراعيه عليها :
– ده انا ما صدقت لقيتك

لم تسكن إلا عندما بدأ يفلتها بالفعل، ولكنه أفلتها لغرض آخر.. نهرته على إستغلاله رهبتها من الظلام و :
– متقربش مني تاني وإلا…………

كانت قُبلة حارّة منه أخرست ثرثرتها المنفعلة.. وظل مُطبقًا على شفاها لم يتركهما رغم مجهوداتها المضنية، أستسلمت في الأخير للهيب أشتعل بصدرها ولم تستطع مجابهتهِ.. أحس بإستسلامها أخيرًا ، وهذا ما رغب فيه.. سكونها جعل رغبته فيها تزداد توهجًا.
ترك شفتيها وقد تسارعت أنفاسه.. وقبل أن ينفرد بها أكثر، عادت الإضاءة مرة أخرى وبدأ المصعد في متابعة طريقه للأعلى.. كان ينظر لزهرتين حمراوتين أنبتتا على وجنتيها، بينما دفعته هي بإرتباك شديد وهي تمسح على شفتيها وتشعر بـ عُري جسدها رغم تغطيته.. توقف المصعد وانفتح الباب، فـ هرعت للخارج وهو من خلفها.. لمح “رائد” العامل يقف بجوار المصعد، غمز له “رائد” بخبث.. فـ ابتسم الأخير متفهمًا، لقد كانت خطة ناجحة عاونته على الإنفراد بها بعض الوقت.. ولا يدري بعد هل ستجني ثمارها أم ماذا؟

اقتربت “رفيف” من الجميع، لتجد الطبيب يتابع حديثه :
– وزي ما بلغتكم، أي صدمة.. خبر وحش، حاجه هتعصبه ، أبعدوها عنه قدر المستطاع

فـ شمل “عادل” الجميع بتجهم وهو يردد :
– متهيألي سمعتوا كلكم

فـ استأذن الطبيب :
– عن أذنكم

انتبه “عماد” لحضورها توًا، فسأل بفضول :
– اتأخرتي ليه يارفيف ؟

فأجابت ببعض من الخجل الذي انتابها :
– آ.. أصل الكهربا فصلت والأسانسير اتعطل

فـ عقدت “ناهد” حاجبيها بعدم تصديق و :
– كهربا إيه ؟ النور في المستشفى أهو محصلش حاجه

فـ ضاقت نظرات “رفيف” وهي تنظر نحو “رائد” وقد تفهمت ما حدث من خدعة :
– يبقى الأسانسير كان بايظ

كانت “فريدة” تدفع بمقعدها وهي تخرج من غرفة “فاروق”.. أبتهج وجهها مع رؤية “رفيف” و :
– حببتي رفيف كويس إنك جيتي، لسه عمي فاروق بيسألني عنك.. أدخلي اطمني عنه

فـ التقطت باقة الزهور من عمها وسارت بإتجاه الغرفة.. وتبعها هو ، كادت تستوقفه والدته و :
– ما تسيبها لوحدها يارائد، متقلقش جدك حبها

فأجاب بقلق جلّ على وجهه :
– مينفعش ياماما، عن أذنكم

تركت “رفيف” باقة الزهور جانبًا وهي تردد بتهذيب :
– سلامتك ياجدي

فـ ابتسم الأخير إبتسامة باهتة تنمّ عن إرهاقه، ثم ردد بصوت واهن :
– الله يسلمك يابنتي

ثم سألها :
– هتفرحونا بيكم أمتى ؟

لم تتردد “رفيف” في التحدث و :
– والله ياجدي أنا مش عارفه أقولك إيه ، بس للأسف إحنا مش هـ…….

فقاطعها “رائد” متمسكًا بزمام الأمور :
– لما تقوم بالسلامة ياجدي ، صحتك أهم حاجه دلوقتي

التفتت برأسها نصف إلتفاته ترمقه بإحتدام، بينما قال “فاروق” :
– لو عليا عايز افرح بيكم النهاردة قبل بكرة.. العمر مش مضمون وانا مش هعيش أكتر من اللي عيشته

فبادرت بـ :
– سلامتك ياجدي ربنا يشفيك يارب، بس احنا كنا اتفقنا على الـ……
– إتفقنا نستنى لما تسترد صحتك طبعًا، عشان الدكتور حذر من العــصبية والأخبـار الوحـشة عليك

شدد على كلماته الأخيرة وهو يتحدث ليلفت إنتباهها.. فـ أغلقت فمها عما كانت تنتوي البوح بهِ، بينما ردد “فاروق” وهو يتحسس قلبه الضعيف :
– طول ماانتوا بخير أنا هكون كويس، وربنا يبعد عننا الأخبار الوحشة.. أحسن انا مش هتحمل حاجه تانية

فتدخل “رائد” مؤكدًا :
– متقلقش ياجدي ، هتسمع خير ان شاء الله.. وقريب أوي هنقولك على معاد الفرح

جحظت عيناها غير مصدقة إنه يورطها الآن.. بينما انحنى “رائد” لـ يُقبل رأس جده، وعاد ينظر لها بإبتسامة وديعة يختبئ خلفها كنز من المفاجآت التي أعدها لها.. وها هي أولاهم، تعلقت نظراتها بعيون البحر خاصتهِ.. وكأنه يؤكد لها أن الفرار ليس له بينهما مكان.

error: