رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل

<< إمبراطورية الملائكة >>

الفصل الثامن عشر :-

هوى قلبه لموضع قدميه من فرط الصدمة، عقب أن رأى جسد “رفيف” مسجى على الأرضية وقد فقدت وعيها جراء من سمعت..
ركض إليها وقد أصيب بالهلع، واجتذبها لأحضانهِ وهو يحاول أن يجعلها تستعيد وعيها ، ولكن دون فائدة.. فقد كان جسدها باردًا مثلجًا گلوح من الثلج، انتقلت عيونه فجأة باحثًا عن تلك الحرباء التي خططت لذلك منذ البداية.. فوجدها قد تبخرت ولم تعد موجودة، وكأن مهمتها التي حضرت من أجلها أتمتها على أكمل وجه.

(( عـودة بالوقت للسابق ))
كان “طارق” يقف بصحبة رفاقه.. عندما لمح “رائد” يخرج من بوابة القاعة الرئيسية، فلم ينتظر طويلًا.. حيث انتقلت نظراته الباحثة على الفور ليستكشف أين “رفيف”.. ثم انتقل حيالها ليقول :

  • فين رائد يارفيف ؟

كان الضجيج مرتفعًا وصاخبًا للحد الذي لم تستمع فيه له فقالت بصوت مرتفع :
– مش سامعة بتقول إيه ؟

فرفع صوته بالقرب من أذنيها و :
– بقولك فين رائد ؟
– خرج يجيب حاجه وراجع على طول

نظر حوله وهو يمط شفتيه مستاءًا، ثم طلب منها بلهجة راجية :
– طب ممكن تخرجي تدوري عليه عشان عايزه ضروري

فهزت رأسها بالإيجاب و :
– حاضر

وراحت تخطو بحذر نحو الخارج، حتى لا تتعثر بسبب حذائها المرتفع.. كانت خطواتها مرحة رشيقة، خرجت تبحث عن رائحته ، حتى لمحته يقف موليها ظهره على بعد أمتار.. ضاقت عيناها وهي ترى “مروة” تتحدث إليه، واقتربت منهم لتستمع إلى آخر عبارة لها :
– “وصدقني رفيف عمرها ما هتعرف إنك كنت على علاقة بيا قبل ما تخطبها ، ولا هحكيلها حاجه”

هنا سيطرت عليها البرودة وكأنها تواجه عاصفة شتوية، تشوشت رؤيتها مع وقع الصدمة التي اعترتها.. حتى إنها لم تستطع الإطالة في التفكير ، فقد سقطت فاقدة وعيها ، ليُحدث سقوطها إرتطامًا عنيفًا.

(عودة للوقت الحـالي)

اضطربت أجواء الحفل عقب إشاعة خبر حالة إغماء بالخارج، حتى أن البعض هرول خارجًا لإستكشاف الأمر.. “فاروق” و “فريدة” و “عاصم” و “ناهد” و “ميسون” ، جميعهم تحركوا للخارج بينما بقيت مهمة إبقاء الحفل على وتيرتهِ مهمة “عاكف”.. حتى وصلت الأنباء بإنها “رفيف”، فأسرع “عماد” وزوجته وابنته هرعين للخارج.. بينما جلست “برديس” في “كوشة العروس”، تنفخ بتذمر وهي تردد :

  • يعني كان وقته!!

…………………………………………………….

قام أحد العاملين بالفندق بإخراج سيارة “رائد” من الجراچ ، وصفها أمام باب الفندق.. فخرج “رائد” حاملًا إياها بين ذراعيه عقب أن فشلت محاولتهم في إيقاظها.. والجميع يتسائل حول ما أصابها فجأة ليجعل بشرتها بهذا الشحوب المفزع، وجسدها گقطعة جليدية متحجرة.. ولكنه صاح في الجميع فجأة وهو يحملها :

  • مـــــعرفــش.. مـــــعرفــش ، سيبــوني في حـالي

فتح العامل الباب الخلفي للسيارة، فوضعها على الأريكة الخلفية.. بينما اندست “ندى” فجأة بداخل السيارة كي لا تترك إبنة عمها، فلم يعترض “رائد” بل تركها وعاد يستقر في مقعدهُ.

_ فـي المـشفـى _

يقفون في حالة مذعورة، منتظرين خروج الطبيب من داخل قسم الطوارئ ليستبينوا ما الذي أصابها فجأة.. بينما كان هو الوحيد الذي يدري مصابها.
الآن أصبح الخوف ضعفين ، خوف مما أصابها وخوف فقدانها، يعاتب حاله الآن على تصرفاتهِ الهوجاء التي تسببت له في كل ذلك، لم يلاحظ أي منهم حالته.. بل التركيز الأكبر على تلك الراقدة بالداخل..
خرج الطبيب ليتجمعون حوله في حلقة ليبادر هو :

  • مفيش أي أعراض لمرض عضوي، وتقريبًا دي حالة نفسية

فتدخل “عماد” على الفور مبررًا :
– بس دي كانت كويسة جدًا وكنا في فرح دلوقتي!

فقال الطبيب :
– جايز تكون حصلت حاجه وإنتوا مش واخدين بالكم منها.. عمومًا إحنا فشلنا نفوقها دلوقتي، عشان كدا هتفضل هنا لحد الصبح.. وبعدها نقرر، أوضتها في الدور التاني ممر ٣ رقم ٦٥٠
– يلا بينا ياندى ،بسرعة يابنتي.. يلا يادرية

قالها “عماد” وهو ينتقل للمصعد مسرعًا.. بينما بقى “رائد” بمحله لا يستطيع الحراك، ماذا سيفعل في حال مواجهتها له؟.. بماذا سيجيب ؟!

……………………………………………………….

ترك “فاروق” هاتفه جانبًا، ثم قال بإرتياح:
– الدكتور قال إنها محتاجة ترتاح للصبح، بس الوضع يطمن متقلقوش

تنهدت “فريدة” بإرتياح وهي تردد بضيق :
– الحمد لله ، مش عارفه بس إيه اللي حصلها فجأة دا

تبرمت “إيمان” وهي ترمق “فريدة” بإنزعاج.. وقالت:
– أهي كويسة أهي ، بوظت الفرح بتاع ابني ليه بقى!

رمقها “فاروق” بإنزعاج وهو يردد :
– إيــمان!!.. مفيش حاجه باظت، إبنك اتعمله أكبر فرح.. الفرق الوحيد إن الفرح خلص بدري ساعة ، بس

نظر حوله ثم سأل:
– هما الولاد طلعوا ؟

فأجاب “عاصم” والإبتسامة ما زالت تطفو على ثغره :
– آه ياحج

ثم نظر بإتجاه “عاكف” وردد بلهجة مغزية :
– عقبال فرح إبنك ياعاكف

مط “عاكف” شفتيه للأمام، ثم قال بفتور:
– تسلم ياخويا

رمقهما “فاروق” بنظرات متفحصة قبل أن يردد :
– عندكوا إجتماع انتوا الإتنين في بولندا آخر الأسبوع، حضروا نفسكوا

تأهبت حواس “عاكف” و :
– نعم!.. مش المفروض عـادل و…..

قاطعه “فاروق” :
– مفيش حاجه اسمها المفروض، حضروا نفسكوا عشان تسافروا مع بعض وخلاص

ثم اتكأ على عصاه لينهض وهو يتابع :
– ملكيش دعوة بالولاد ولا تدخلي عليهم الصبح ياإيمان، أنا وصيت ناهد هي كمان تسيبهم قبل ما تطلع أوضتها.. خلي عندك زوء

تنحنحت “إيمان” بحرج.. بينما دفعت “فريدة” مقعدها المتحرك للأمام لتتركهم هي الأخرى، وبقى الثلاثي الأخوة بمفردهم.

طالت وقفتها أمام المرآة وهي تتأمل شكلها الجميل وفستانها الملكي.. بالرغم من إرهاق اليوم إلا إنها تشعر باليقظة، تحرك مقبض الباب.. فـ اضطرب قلبها وزادت ضرباته وقد لمحت “طارق” يقترب منها عقب أن أوصد الباب.. كافحت لتبدو بحالة مستقرة ، حتى تسللت أصابعه لتوضع على عُريّ ظهرها.. اقشعرت وهي تبتعد خطوة، ولكنه كان مبادرًأ بتطويق خصرها.. ابتلعت ريقها قبل أن تهمس بخفوت :

  • ممكن تخرج لحد ما اغير هدومي!

تحاشت النظر لإنعكاسهِ الواضح في المرآة ، بينما تمعن هو النظر فيها قبل أن يجيب بـ :
– لأ، دا أنا بنفسي هساعدك تغيري فستانك
– بس آ….
– شششش ، سيبي نفسك ليا.. أنا مصدقت باب أوضة واحدة اتقفل علينا

بدأ بسحاب فستانها.. حيث فتحه برفق وهو يتلمس بأصابعه بشرة ظهرها الأملس ، تركت التفكير في الأمر وهي تستعيد في ذاكرتها وصايا والدتها بأن تتراخى في معاملته وتستجيب لقربه منها منعًا للمشاكل.. فلم يكن بمقدورها أن تفعل عكس ذلك، بقيت مستسلمة له عكس ما كان هو متوقعًا، ظن إنه سيُجهد نفسه كثيرًا كي يجعلها تلين له.. ولكنه تفاجئ بحالتها المستسلمة تلك، رغم فتورها الشديد.. إلا إنه آمن أنها مسألة وقت وستزول رغمًا عنها، فهي أنثى في كل الأحوال.
لا تُنكر إنه تعامل معها بحرفية ومهارة لم تكن تستشعرها به من قبل.. ظنتهُ سيكون في علاقته الأولى معها ذكرًا تسيطر عليه رغباته الذكورية الحيوانية، ولكنه كان رجـلًا عاطفيًا قبل ذلك، وهذا جعل من إستسلامها مهمة يسيرة للغاية.

………………………………………………………..

انفردت بغرفتها منتظرة الخبر.. ومازالت متوترة ومضطربة عقب ما فعلت من جريمة في منظورها، أمسكت “مروة” بهاتفها وفكرت الإتصال بـ “ندى” ولكنها تراجعت على الفور وتركت هاتفها على وضعيته المغلقة.. عادت للخلف بظهرها وهي تتذكر معاهدة الشر التي عقدتها منذ عدة أيام…

( عودة بالوقت للسابق )

لم تفهم بالضبط مقصدهُ، فتسائلت بإهتمام :
– يعني إيه ؟

ابتسم “طارق” بإبتسامة خبيثة قبل أن يلقنها :
– يعني مكنش المفروض تتأخري كل ده يامروة ، أختك دلوقتي تبقى مرات رائد.. وطالما هو عمل حسابه وكتب الكتاب بدري عشان كدا، يبقى أكيد محضر نفسه لأي غدر منك

ذفرت “مروة” بحنق بالغ، ثم رددت :
– ملحقتش، أدبست في شغل بـرا الشركة يومها وملحقتش أبوظ كتب الكتاب

فلمح لها :
– بس تقدري تبوظي الفرح

تفهمت لما يرمي إليه، وأيقنت وجود الخطة في عقله.. فلم تتردد في سؤاله :
– قصدك إيـه ؟.. ومصلحتك إيه من كل دا؟
– ماليش مصلحة غير إني أنور بصيرة إنسانة مسكينة مخدوعة في اللي بتحبه ، لازم تعرف حقيقته.. وانا هقولك إزاي تعرفها من غير ما يكون ليكي يد

(عودة للوقت الحالي)

قبضت “مروة” على جفونها وهي تستعيد بذهنها لقطة سقوط “رفيف”.. ثم نفضت رأسها وهي تصيح بإنفعال :

  • حتى لو هي ملهاش ذنب ، كان لازم هو يتحرق بنارها ويتوجع بوجعها.. إشمعنا انا اتكتب عليا العذاب وانا بشوفهم كل يوم مع بعض! ليــه يختارها عليا.. أنا مش مسمحاه عمري كله ، مش مسمحــاه.

………………………………………………………..

مستيقظة.. وتشعر بكل حركة جوارها، ولكنها رافضة فتح عيناها.. ثمة شرخ عميق وألمهُ مبرحًا بين ضلوعها ، تحاول أن تقنع عقلها الباطن بأن ما رأته ما هو إلا كابوسًا وليس حقيقيًا.. ولكن كلمات “مروة” قد حفرت في آذانها صوتًا لن تنساه ما حيّت.. ترقرقت عبرتين من طرفيها تركتهم ينسدلان عموديًا نحو آذانها ، فلم يراها سوى “ندى”.. التي ركضت نحوها وحاولت أن تفيقها :
– رفـيـف!.. انتي سمعاني، قولي أي حاجه ردي عليا

“عماد” :
– يابنتي سيبيها مرتاحة
– لأ يابابا دي فايقة، وعنيها نزلت دموع

اضطرت “رفيف” لفتح جفونها.. رمقتهم بصمت تام ، عيونها حمراء كما لو كانت تبكي طوال الليل.. مسحت “ندى” على وجهها برفق، وتسائلت بتخوف :
– انتي كويسة يافيفي؟.. ردي عليا ياحببتي

لم تجيب، مما جعل “عماد” يرتاب أكثر :
– يابنتي طمنينا عليكي ماانتي كنتي كويسة ؟!

قوست “دريّة”شفتيها بإزدراء وهي تغمغم :
– ياختي كفاية دلع بنات بقى، مستنينك تصحي من امبارح، خلينا نمشي من هنا بدل القعدة السودا دي

ألتفت “عماد” ليحدجها بإحتدام و :
– دريـّــة، ابعدي عن البت أديكي شايفة حالتها

ولج “رائد” للغرفة لتناديه “ندى” بعجلة :
– رفيف فاقت يارائد، تعالى شوف مالها يمكن تتكلم معاك

ركض “رائد” نحوها بهلع، بينما انكمش جسدها وأشاحت وجهها للجهة الأخرى وقد أطبقت جفونها مرة أخرى.. قبض “رائد” على كفها يحتضنه وهو يتسائل بقلق :
– حببتي انتي كويسة؟.. حاسه بإيه؟

تخلصت من كفه، وضمت يديها إلى صدرها وهي تنام على جانبها كي تبتعد عن مواجهته..فـ استشعر الجميع وجود ما يخص “رائد” ، وهذا هو السبب في إنتكاستها.. انتقلت نظرات “عماد” إليه وكأنه يسأله ، بينما كان هو في وادٍ آخر..

كانت “فريدة” قد ارتدت كامل ملابسها بمساعدة “زهور”.. مستعدة لزيارة “رفيف” بالمشفى..
انتقلت للجلوس على المقعد، ثم اتجهت للمرآة كي ترتدي حجاب رأسها وهى تقول :
– خلاص يازهور تقدري تخرجي، شكرًا
– أمرك ياهانم

وخرجت بنفس لحظة دخول “عاكف” الذي عقد حاجبيه بذهول وهو يسألها :
– رايحة فين بدري كدا؟

فأجابت بجفاء گعادتها :
– هزور مرات إبني في المستشفى
– ومقولتيش ليه عشان اغير هدومي واجي معاكي

وضعت الدبوس المعدني الأخير في رأسها ثم التفتت بالمقعد لتواجهه وهي تقول :
– ومين قالك هروح معاك ؟!

قطب جبينه وهو يقول:
– أمال هتروحي إزاي ؟مش معقول هسيب معاكي السواق!
– عادل هيوصلني
– نــــــــعـم!!.. وإيـه حكاية عادل دا كمان اللي لازقه فيه من ساعة ما جينا القصر هنا!!

رمقته بإحتقار وهي تجيب بإنفعال أسكتهُ :
– أخــرس، قصدك تلمح لأيـه؟.. أنا ست أصيلة خارجة من بين أصول، عمري مااخون جوزي حتى لو هو واطي وديله نجس وبيخوني.. ومش عشان جوازنا بقى يدوب واجهة قدام الناس، هسمحلك تفكر فيا بالشكل دا

اقترب منه بمقعدها وهي تتابع بحزم :
– ألزم حدودك معايا ياعاكف، بدل ما اعرفك هو مين اللي خاين فينا.

وتركته على حالته وغادرت الغرفة عقب أن أوجعته بكلماتها.. لم يفكر طويلًا، فقد أخمد ضميره منذ سنوات ولم يعد يعمل.

وقفت “فريدة” ببداية الرواق منتظرة هبوط “عادل”.. فـ اقترب منها السائق وحدثها بخفوت :

  • كله تم ياهانم، بكرة بالكتير هتلاقيه عندك

ابتسمت “فريدة” و :
– شاطر ، أنا مستنية بفارغ الصبر.
……………………………………………………………

استمع كلاهما لحديث الطبيب النفسي الذي قام بزيارة “رفيف” هذا الصباح عقب تكليف من الطبيب المعالج.. حيث قال مباشرة :

  • ضروري تكون اتعرضت لصدمة كبيرة أو خيبة أمل ومستحملتش.. وفقدانها النطق وهروبها من الكلام مع أي حد حتى الطبيب المعالج أكبر دليل على كدا

ثم تسائل بفضول :
– هي اتعرضت لحالة زي دي قبل كدا ؟

أطرق “عماد” رأسه بحزن وهو يجيب :
– أيوة، بعد وفاة أبوها اللّه يرحمه.. وحتى لما رجعت مصر كانت بالحالة دي.. وخدت وقت لحد ما اتحسنت

أومأ الطبيب رأسه بتفهم و :
– لازم نعرف الأول فين المشكلة، وساعتها هنبدأ خطة علاجية لو الأمر زاد عن المسموح بيه.. عن أذنكم

أطال “عماد” النظر إلى “رائد” قبل أن يسأله مباشرة :
– أنتوا اتخانقتوا مع بعض يابني أو زعلتها في حاجه؟

هز “رائد” رأسه بالسلب و :
– أبدًا ،إحنا حتى متكلمناش خالص

نفخ “عماد” بضيق وهو يتابع:
– رفيف حساسة، بتزعل بسرعة وكمان بتكتم جواها.. مش الإنسانة الشكاية اللي تفضل تشتكي كتير زي باقي البنات.. ودي المشكلة، كتمانها بييجي عليه وقت وينفجر

حك “رائد” مؤخرة رأسه وهو يردد :
– ممكن أطلب منك حاجه ياعمي
– أتفضل يابني

………………………………………………………

كانت الكيفية التي دلفت بها “شهيرة” للقصر تنم عن حلول كارثة كُبرى ستلتهم كل شئ.. أشارت الخادمة لها بوجود “فاروق” في المطبخ ليرتشف قهوتهِ الصباحية، فـ انتقلت نحو المطبخ الذي تحفظ موقعه جيدًا.. وأول ما فعلته كان…

  • أطلعـوا كلكوا برا

طردت الخدم والطباخ، نظر جميعهم لبعضهم البعض.. حتى أعادت هي قولها بشكل أكثر إحتدامًا :
– بقولكم بـرا Get out

فأكد “فاروق” على رغبتها آمرًا إياهم :
– كلوا يخرج برا

أطاعوه وأصبح محيط المطبخ يضمهما فقط.. تركت “شهيرة” حقيبتها وهي تنظر إليه بإستهجان وقالت :
– كنت حاسه إن في حاجه مش طبيعية من الأول هي اللي خليتك تجمع ولادك حواليك بعد كل السنين دي

استمع لكلماتها المنتقاه وقد فطن إنها كشفت كل شئ.. ولكنه صمت مستمعًا لها :
– بس انا مش هسكت ، دي جريمة في حق ولادك كلهم ولازم يعرفوا إيه اللي مستخبي عنهم

“فاروق” :
– آ…………
……………………………………………………..
قام “عماد” بإخراج زوجته وابنته من غرفة “رفيف” حتى يختلي بها “رائد” قليلًا.. معتقدًا أن ذلك حلّ سيفيد في حالتها التي طرأت عليها فجأة..
جلس “رائد” بالقرب منها، حادثها ولم تجيب.. حاول أن يجتذب الكلام منها ولكن لا فائدة، فما زالت صامتة مشدوهه.. تشعر به وتتجاهله.
وكلما حاول أن يمسك بكفها تهربت منه حتى إنها لا تنظر له قط.. تنهد “رائد” وهو ينظر إليها بحزن بالغ، ولم يسئم من محاولة الحديث معها :

  • رفيف متعذبنيش، قولي أي حاجه.. إنما سكوتك دا بيوجعني أكتر

لم تعيره إهتمامًا، وبقيت محدقة أمامها بالفراغ، فتابع هو :
– مش معقول كدا، بقالي ساعة بحاول آخد منك كلمة واحدة بس.. قوليلي أي حاجه

وأخيرًا لاقت عيناه عيناها، وحدقت فيه بقوة مستنكرة أياه.. ولم تتردد في إعطائه كلمة واحدة كما يريد ، فنطقت بلهجة محتدمة :

error: