بين الموت والحياة |بقلم حمادة توفيق أبو الحسن
– عيناك نافذتان مظلمتان كئيبتان بائستان ، فيهما من الوجع أضعاف ما فيهما من الرجاء ، ومن الضعف أضعاف ما فيهما من القوة ، عيناك كزهرتين ماتا منذ ألف عام ، يينما الحياة من حولهما فتاةٌ لعوب ، فاترةُ الثغر باسمةُ المحيا ، مشرقةٌ ، لا تخورُ لها قوةٌ ولا يُفلُّ لها عزمٌ ، بينما أنت أنت ، متى تُبعثُ من فنائكَ الموحشِ يا صديقي ؟
– أنا لم أحيا بعدُ حتى أموتَ فأُبعث ، أنت أيضاً مثلي لم تحيا أبداً ، كلُّ الورى من حولكَ غيرُ أحياءٍ وإن رأيتهم يضحكون ويمرحون ، كم هي أعمارنا في عمر الزمن لنستحقَّ لقبَ الحياة ؟ ما نحن في عمر الزمن إلا كومضةٍ أبرقتْ لحظةً ثم انطفأت ، أنت واهم يا صديقي ، أفقْ من غفلتك ، ليست تلك الحياةُ التي تتحدث عنها غيرَ الزيفِ والخداع ، سرابٌ يلمعُ في صحراء جرداء للظامئين والكادحين والمُتعبين ، يختبلُ عقولهم الضيقة ، فيتشبثون به بكل قوة ، حتى إذا دنت النهاية أفلتهم وهو يضحك عليهم بملء فمه !
– فما الحياة الحقيقية من وجهة نظرك إذن ؟
– لا توجد حياة على الإطلاق ، ما نحن سوى أمواتٍ من رحم أموات ..
– أموات ؟
– يا صديقي الموت حولك في كل مكان ، الموت لا يخفى على من له عينان ، فقط تمعّن وتفكر ، تأمّل وتدبر ، عندها ستجد الموت مُخيماً على كل الأشياء ، الدنيا كلها تغط في فناءٍ موحش !
– أنت كتلة من الطاقة السلبية واليأس والألم ، كيف لم تمت منتحراً ما دامت أفكارك السوداوية تلك تتحكم فيك كيف شاءت ؟
– كلكم تكرهون الحقيقة ، تعشقون الخداعَ والوهم ، تحررْ من قبضة السراب الذي يقودك كالأبله ، وانظر حولك بإنصاف ، سترى تجلياتِ الموتِ في كل الأشياء !
– تجليات ؟
– تجليات قديمة حديثة ، فمن آدم وحتى تقوم الساعة لا زالت تلك التجليات تتوالى ، عمّر القدامى ما عمّروا وخدعهم سرابُ الحياة الزائف حتى خُيّل إليهم أنهم خالدون ، وعلى حين غِرة انطلقت آلةُ الموت تحصدهم حصداً ، ثم تركوا الأموال والكنوز والضياع لأبنائهم وأحفادهم ، فلعب السراب معهم لعبته كالعادة وأغراهم بالخلود ، حتى إذا حانت لحظة النهاية حصدتهم آلة الموت كما حصدت أسلافهم ، ولا زالت اللعبة مستمرة ، وأنت ؟ ألم تتزوج وتنجبْ أطفالاً تسعى من أجلهم بلا كللٍ ولا ملل ؟ ثمّ ماذا بعد ؟ سيحينُ دورك لا محالة فيدفنوك بأيديهم ويتنازعون على ما ورثوه منك ، وسينسونك فلا تخطرُ لهم ببال ، كما نسيت أنت من مضى من قبلك من الأسلافِ ، ثم يتزوجون ويموتون وتستمر اللعبة ..
– تلك سنة الحياة يا صديقي ، لو كتب الله الخلودَ على بني البشر لاستحال بقاؤهم ولضاقت بهم الدنيا ، جمال الدنيا في التناقض ، ولن يستقيم حال الدنيا إلا بالموت والحياة معاً ..
– بالموت فقط ، ليس في تلك الدنيا سوى الموت !
– أنت في حاجة لطبيب نفسي ، تلك العقد التي لديك لو استمرت لأهلكتك ..
– لا بأس أن تسميها عقداً ، أما أنا فأراها حقائق ، نعم قد تتغاضى عنها ، لكنها جلية ، واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار !
– عافاك الله ..
#بقلمي